للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خُذِي وَلِقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الْأُسَيْفِعِ دَيْنٌ فَلْيَأْتِنَا غَدًا فَإِنَّا بَايِعُوا مَالِهِ وَقَاسِمُوهُ بَيْنَ غُرَمَائِهِ وَكَانَ غَائِبًا؛ وَلِأَنَّ الْغَيْبَةَ لَيْسَتْ بِأَعْظَمَ مِنْ الصِّغَرِ وَالْمَوْتِ فِي الْعَجْزِ عَنْ الدَّفْعِ فَإِذَا جَازَ الْحُكْمُ عَلَى الصَّغِيرِ وَالْمَيِّتِ فَلْيَجُزْ عَلَى الْغَائِبِ أَيْضًا (حَتَّى فِي الْعُقُوبَةِ) لِآدَمِيٍّ كَقِصَاصٍ وَحْدِ قَذْفٍ (لَا) فِي الْعُقُوبَةِ (لِلَّهِ) تَعَالَى مِنْ حَدٍّ أَوْ تَعْزِيرٍ لِبِنَائِهَا عَلَى الْمُسَاهَلَةِ (وَفِيهِ أَطْرَافٌ) خَمْسَةٌ (الْأَوَّلُ) فِي (الدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ وَيُشْتَرَطُ فِيهَا عَلَى الْغَائِبِ مَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَلَى الْحَاضِرِ مِنْ بَيَانِ الْمُدَّعَى) وَقَدْرِهِ وَنَوْعِهِ (وَوَصْفِهِ وَقَوْلُهُ إنِّي مُطَالَبٌ بِالْمَالِ) فَلَا يَكْفِي الِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ لِي عَلَيْهِ كَذَا كَمَا سَيَأْتِي (وَ) يُشْتَرَطُ (أَنْ يَكُونَ لَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (بَيِّنَةٌ) أَوْ يَعْلَمَ الْقَاضِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ لِلدَّعْوَى عَلَى الْغَائِبِ.

(وَيَنْبَغِي أَنْ يَذْكُرَ) فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ (جُحُودَهُ) ؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ شَرْطٌ، وَهِيَ لَا تُقَامُ عَلَى مُقِرٍّ فَلَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ عَلَى مَا يَأْتِي (وَ) لَكِنْ (لَوْ لَمْ يَذْكُرْ جُحُودًا وَلَا إقْرَارًا سُمِعَتْ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لَا يَعْلَمُ جُحُودَهُ وَلَا إقْرَارَهُ وَالْبَيِّنَةُ تُسْمَعُ عَلَى السَّاكِتِ فَلْتُجْعَلْ غَيْبَتُهُ كَسُكُوتِهِ (فَإِنْ ذَكَرَ إقْرَارَهُ) وَأَرَادَ إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ (لِيَكْتُبَ لَهُ) الْحَاكِمُ بِهِ إلَى حَاكِمِ بَلَدِ الْغَائِبِ (لَمْ تُسْمَعْ) لِمَا مَرَّ (أَوْ لِيَسْتَوْفِيَ لَهُ) الْحَاكِمُ حَقَّهُ (مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ) لِلْغَائِبِ (سُمِعَتْ) وَوَفَّاهُ حَقَّهُ فَهَذِهِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ عَدَمِ سَمَاعِهَا فِيمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ أَيْضًا مَنْ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ لِسَفَهٍ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَمْنَعُ قَوْلُهُ، وَهُوَ مُقِرٌّ مِنْ سَمَاعِهَا وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَكِنَّهُ مُمْتَنِعٌ وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَتُهُ شَاهِدَةً بِالْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ إرَادَةِ مُطَابَقَةِ دَعْوَاهُ بَيِّنَتَهُ أَقَرَّ فُلَانٌ بِكَذَا وَلِي بِهِ بَيِّنَةٌ (وَيُسْتَحَبُّ) لِلْقَاضِي (نَصْبُ مُسَخَّرٍ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ (يُنْكِرُ) عَنْ الْغَائِبِ لِتَكُونَ الْبَيِّنَةُ عَلَى إنْكَارِ مُنْكِرٍ وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مُقِرًّا فَيَكُونُ إنْكَارُهُ كَذِبًا قَالَ: وَمُقْتَضَى هَذَا التَّوْجِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَصْبُهُ لَكِنْ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْعَبَّادِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الْقَاضِيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ النَّصْبِ وَعَدَمِهِ فَذِكْرُ الِاسْتِحْبَابِ مِنْ زِيَادَةِ الْمُصَنِّفِ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِ (فَرْعٌ) لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ لَهُ كَمَا لَوْ قَالَ كَانَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفٌ قَضَيْته إيَّاهَا أَوْ أَبْرَأَنِي فِيهَا وَلِي بَيِّنَةٌ بِهِ وَلَا آمَنُ إنْ خَرَجَتْ إلَيْهِ أَنْ يُطَالِبَنِي وَيَجْحَدَ الْقَبْضَ أَوْ الْإِبْرَاءَ فَاسْمَعْ بَيِّنَتِي وَاكْتُبْ بِذَلِكَ إلَى قَاضِي بَلَدِهِ لَمْ يُجِبْهُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُسْمَعُ إلَّا بَعْدَ الْمُطَالَبَةِ بِالْحَقِّ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ: وَطَرِيقُهُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَدَّعِيَ إنْسَانٌ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَحَالَهُ بِهِ فَيَعْتَرِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ لِرَبِّهِ وَبِالْحَوَالَةِ وَيَدَّعِي أَنَّهُ أَبْرَأهُ مِنْهُ أَوْ أَقْبَضَهُ فَتُسْمَعُ الدَّعْوَى بِذَلِكَ وَالْبَيِّنَةُ، وَإِنْ كَانَ رَبُّ الدَّيْنِ حَاضِرًا بِالْبَلَدِ

(الطَّرَفُ الثَّانِي فِي التَّحْلِيفِ وَبَعْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ) وَتَعْدِيلِهَا (يَحْلِفُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ وَحَدُّ قَذْفٍ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَنْ لَهُ إسْقَاطُ حَدِّ الْقَذْفِ بِاللِّعَانِ لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ بِهِ فِي غَيْبَتِهِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إسْقَاطِهِ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَقْضِي بِالْأَمْرِ اللَّازِمِ وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ) فَلَا يُرَدُّ عَلَى اقْتِصَارِهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ لِشَاهِدٍ وَالْيَمِينِ وَقَدْ يُقَالُ هُوَ دَاخِلٌ فِي مُسَمَّى الْبَيِّنَةِ وَقَدْ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ بَعْدَ قَوْلِ الْمِنْهَاجِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَيْ وَلَوْ شَاهِدًا أَوْ يَمِينًا فِيمَا يُقْضَى فِيهِ بِذَلِكَ وَكَتَبَ أَيْضًا نَازَعَ الْبُلْقِينِيُّ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَالَ هِيَ صَحِيحَةٌ بِدُونِهِ وَلَكِنْ لَا يَحْكُمُ الْقَاضِي إلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ قَضَاؤُهُ إلَى الْحُجَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ شَاهِدَيْنِ أَوْ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي وَلَوْ ادَّعَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فِي عِلْمِهِ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَيْهَا أَوَّلًا فِي الْبَاطِنِ ثُمَّ حَدَّثَ بِشَهَادَةٍ عَلَى الْغَائِبِ فَقَدْ صَدَرَتْ صَحِيحَةً فَإِذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عِنْدَ الْقَاضِي حَكَمَ بِهَا وَلَوْ سَافَرَ الْقَاضِي بَعْدَهَا إلَى بَلَدِ الْخَصْمِ الَّتِي هِيَ فِي عَمَلِهِ وَالْمُدَّعِي مَعَهُ فَأَخْبَرَهُ بِالدَّعْوَى فَأَقَرَّ أَوْ أَنْكَرَ فَصَلَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِتِلْكَ الدَّعْوَى الْمُتَقَدِّمَةِ قَالَ وَقَدْ يُتَصَوَّرُ فِي الْإِرْسَالِ وَالنُّكُولِ أَوْ رَدِّ الْيَمِينِ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِحَلِفِ الْمُدَّعِي يَمِينَ الرَّدِّ مَعَ بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ ذَكَرَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ قُلْت هَذَا كُلُّهُ بَعِيدٌ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَسْتَقِلُّ بِالْمُهِمَّاتِ النَّاجِزَةِ وَلَيْسَ مِنْهَا سَمَاعُ الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ بِلَا بَيِّنَةٍ لِاحْتِمَالِ حُدُوثِ شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ وَالدَّعْوَى لَيْسَتْ مِمَّا يَفُوتُ فَإِذَا وُجِدَتْ الْحُجَّةُ أَوْ جَدَّ الدَّعْوَى ع.

(قَوْلُهُ فَلَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ) ، وَإِنْ قَالَ أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا مَخَافَةَ أَنْ يُنْكِرَ فَسُنَّ ر د (قَوْلُهُ لَمْ تُسْمَعْ لِمَا مَرَّ) أَيْ أَوْ إنْ قَالَ لَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ (قَوْلُهُ مِنْ مَالٍ حَاضِرٍ) أَيْ فِي مَحَلِّ وِلَايَتِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ) أَيْ وَغَيْرُهُ أَيْضًا مَنْ لَا يَقْبَلُ إقْرَارَهُ لِسَفَهٍ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ أَوْ نَحْوِهِ) كَمُفْلِسٍ يُقِرُّ بِدَيْنٍ مُعَامَلَةً بَعْدَ الْحَجْرِ فَإِنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي حَقِّ الْغُرَمَاءِ فَلَا يَضُرُّ قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي غَيْبَتِهِ إنَّهُ مُقِرٌّ لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا تُقْصَدُ لَهُ الدَّعْوَى، وَهُوَ الْمُضَارَبَةُ وَكَذَا لَوْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِزَيْدٍ بَلْ لِعَمْرٍو فَادَّعَاهَا عَمْرٌو فِي غَيْبَتِهِ لِيُقِيمَ بَيِّنَةً لَا يَضُرُّهُ عَلَيْهَا وَاَلَّتِي قَبْلَهَا فِي الشَّارِحِ، وَهُوَ جَلِيٌّ إلَى قَوْلِهِ انْتَهَى وَمُرَادُهُ بِالثَّلَاثِ هَذِهِ وَالْمَكْتُوبُ يَعْنِي الْبُلْقِينِيَّ فَإِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا تَتِمَّةٌ لَهُ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَهُوَ مُقِرٌّ؛ لِأَنَّ إقْرَارَهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي الْعَقْدِ الَّذِي وَقَعَتْ بِهِ الدَّعْوَى قَالَ وَيُتَصَوَّرُ نَحْوُ ذَلِكَ فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَمَا لَوْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ شَاهِدَةٌ إلَخْ) وَمَا لَوْ قَالَ هُوَ مُقِرٌّ وَلَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ عَلَى الْأَرْجَحِ بَلْ لَوْ لَمْ يَقُلْ وَلَسْت آمَنُ أَنْ يَجْحَدَ عَلَى الْأَشْبَهِ لِاحْتِمَالِ الْجُحُودِ اهـ مَا ذَكَرَهُ فِي الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مَمْنُوعٌ (قَوْلُهُ وَبِهِ صَرَّحَ صَاحِبُ الْأَنْوَارِ) ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فَقَدْ قِيلَ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُنَصِّبَ عَنْهُ وَكِيلًا وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدَّمِ الْمُخْتَارُ النَّصْبُ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى تَسْتَدْعِي جَوَابًا وَقَدْ تَعَذَّرَ جَوَابُ الْغَائِبِ فَالْمَنْصُوبُ يَقُومُ مَقَامَهُ مُنْكِرًا أَنَّ أَسْوَأَ أَحْوَالِ الْغَائِبِ الْإِنْكَارُ (قَوْلُهُ فَرْعٌ لَا تُسْمَعُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْغَائِبِ بِإِسْقَاطِ حَقٍّ إلَى آخِرِهِ) فِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ لَوْ قَالَ لِلْقَاضِي كَانَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ عَلَيَّ كَذَا وَقَدْ قَضَيْته وَالْآنَ مُنْكِرٌ الْقَضَاءَ وَلِي بَيِّنَةٌ أُقِيمُهَا عَلَى ذَلِكَ لِتَحْكُمَ بِهِ أَجَابَهُ إلَى ذَلِكَ وَحَكَمَ بِهَا

(الطَّرَفُ الثَّانِي)

<<  <  ج: ص:  >  >>