يَتَوَصَّلُ الْمُدَّعِي إلَى حَقِّهِ فَوَجَبَ إحْضَارُهَا كَمَا يَجِبُ عَلَى الْخَصْمِ الْحُضُورُ عِنْدَ الطَّلَبِ (وَلَا تُسْمَعُ) الْبَيِّنَةُ (عَلَى الْأَوْصَافِ) كَمَا فِي الْخَصْمِ الْغَائِبِ عَنْ الْمَجْلِسِ فِي الْبَلَدِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ بِخِلَافِهِ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ (وَأَمَّا الْعَقَارُ فَيُوصَفُ وَيُحَدَّدُ) فِي الدَّعْوَى وَتُقَامُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِتِلْكَ الْحُدُودِ إذْ لَا يَتَيَسَّرُ إحْضَارُهُ (وَقَدْ تَكْفِي شُهْرَتُهُ) عَنْ تَحْدِيدِهِ (وَيُحْكَمُ بِهِ) لِلْمُدَّعِي كَمَا مَرَّ نَظِيرُهُ فِي الْغَائِبِ عَنْ الْبَلَدِ (وَكَذَا الْعَبْدُ) مَثَلًا (الْمَشْهُورُ) لِلنَّاسِ (لَا يُحْتَاجُ إلَى إحْضَارِهِ) كَمَا مَرَّ فِي الْعَقَارِ (وَكَذَا إنْ عَرَفَهُ الْقَاضِي) وَحَكَمَ بِعِلْمِهِ (بِنَاءً عَلَى جَوَازِ حُكْمِهِ بِعِلْمِهِ فَإِنْ كَانَتْ) حُجَّتُهُ الَّتِي يَحْكُمُ بِهَا (بَيِّنَةً أُحْضِرَ) لِتُشَاهِدَهُ الْبَيِّنَةُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ بِالصِّفَةِ وَتَبِعَ فِي هَذِهِ أَصْلَهُ حَيْثُ نَقَلَ عَنْ الْغَزَالِيِّ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِالْعَبْدِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِلَا إحْضَارٍ ثُمَّ اعْتَرَضَهُ بِأَنَّ هَذَا بَعِيدٌ فِيمَا إذَا جُهِلَ وَصْفُهُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْمَعُ بِالصِّفَةِ لَكِنْ أَجَابَ عَنْهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إنَّمَا هُوَ الشَّهَادَةُ بِوَصْفٍ لَا يَحْصُلُ لِلْقَاضِي بِهِ مَعْرِفَةُ الْمَوْصُوفِ مَعَهُ دُونَ مَا إذَا حَصَلَتْ بِهِ كَمَا هُنَا (وَمَا تَعَسَّرَ إحْضَارُهُ لِثِقَلٍ) فِيهِ (أَوْ إثْبَاتٍ) لَهُ (فِي جِدَارٍ) أَوْ أَرْضٍ وَضَرَّ قَلْعُهُ (وَصَفَهُ الْمُدَّعِي) إنْ أَمْكَنَ وَصْفُهُ.
(ثُمَّ يَأْتِيهِ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ وَصْفُهُ حَضَرَ الْقَاضِي أَوْ نَائِبُهُ لِلدَّعْوَى عَلَى عَيْنِهِ (وَكَذَا إذَا عَرَفَ الشُّهُودُ الْعَقَارَ دُونَ الْحُدُودِ يُحْضِرُهُ) هُوَ (أَوْ نَائِبُهُ) لِتَقَعَ الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ (فَإِنْ وَافَقَتْ الْحُدُودُ) مَا ذَكَرَهُ الْمُدَّعِي (فِي الدَّعْوَى حَكَمَ لَهُ) وَإِلَّا فَلَا (، وَإِنْ أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْعَيْنَ) الْمُدَّعَاةَ بِأَنْ أَنْكَرَ اشْتِمَالَ يَدِهِ عَلَيْهَا (وَحَلَفَ فَلَهُ) أَيْ لِلْمُدَّعِي (أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ قِيمَتَهَا فَلَعَلَّهَا بَلَغَتْ، وَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (وَحَلَفَ الْمُدَّعِي أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ) حِينَ أَنْكَرَ (وَلَمْ يُحْضِرْ الْعَيْنَ حُبِسَ) لِإِحْضَارِهَا (فَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ) لَهَا (صُدِّقَ بِيَمِينِهِ) ، وَإِنْ كَانَ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ (لِئَلَّا يَخْلُدَ عَلَيْهِ الْحَبْسُ) مَعَ إمْكَانِ صِدْقِهِ (وَيُسَلِّمُ الْقِيمَةَ) عَنْهَا (فَإِنْ غَصَبَهُ عَيْنًا أَوْ أَعْطَاهُ) إيَّاهَا (لِيَبِيعَهَا) فَطَالَبَهُ بِهَا (فَجَحَدَهَا وَلَمْ يَدْرِ أَبَاقِيَةٌ هِيَ) فَيُطَالِبُهُ بِهَا (أَمْ لَا) فَيُطَالِبُهُ بِقِيمَتِهَا فِي الصُّورَتَيْنِ أَوْ بِثَمَنِهَا إنْ بَاعَهَا فِي الثَّانِيَةِ (فَقَالَ) فِي دَعْوَاهُ عَلَيْهِ بِهَا (ادَّعَى عَلَيْهِ عَيْنًا يَلْزَمُهُ رَدُّهَا إلَّا إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً أَوْ قِيمَتُهَا إنْ تَلِفَتْ أَوْ ثَمَنُهَا إنْ بَاعَهَا سُمِعَتْ) دَعْوَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مُتَرَدِّدَةً لِلْحَاجَةِ وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ الثَّانِيَةَ بِمَا إذَا أَعْطَاهَا لَهُ لِيَبِيعَهَا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا، وَفِيهِ نَظَرٌ فِيمَا إذَا أَعْطَاهَا لَهُ لِيَبِيعَهَا بِدُونِ قِيمَتِهَا.
(فَإِنْ) أَقَرَّ بِشَيْءٍ فَذَاكَ، وَإِنْ (أَنْكَرَ حَلَفَ) يَمِينًا (أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدُّ الْعَيْنِ وَلَا قِيمَتُهَا وَلَا ثَمَنُهَا فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ وَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي (فَقِيلَ يَحْلِفُ كَمَا ادَّعَى) أَيْ عَلَى التَّرَدُّدِ (وَقِيلَ يُشْتَرَطُ التَّعْيِينُ) فِي حَلِفِهِ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ، وَهَذَا ذَكَرَهُ الْأَصْلُ فِي أَوَائِلِ الدَّعَاوَى وَظَاهِرٌ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّعْوَى بِالْقِيمَةِ مَحَلُّهُ فِي الْمُتَقَوِّمِ أَمَّا الْمِثْلِيُّ فَيَدَّعِي فِيهِ بِالْمِثْلِ وَيُرَتِّبُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
تَقَعْ الدَّعْوَى بِهَا مُشَخَّصَةً فَالتَّمَاثُلُ حَاصِلٌ، وَإِنْ حَصَلَ الْإِحْضَارُ بَعْدَ الْغَيْبَةِ بِخِلَافِ الْحَاضِرَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ الْمُشَخَّصَةِ فِي الدَّعْوَى إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى عَيْنِهَا لَا يَتَأَتَّى فِيهَا الْتِبَاسٌ وَقَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: إنَّ الْمُدَّعَى بِهِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَمْيِيزُهُ بِالْوَصْفِ كَأَذْرُعٍ مِنْ كِرْبَاسٍ كَأَنْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي فِي يَدِ هَذَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مِنْ الْكِرْبَاسِ فَقَالَ فِي يَدِي أَلْفُ ذِرَاعٍ مِنْ الْجِنْسِ الَّذِي قَالَ فَأَحْضِرْ مِنْهَا أَيَّهَا فَهَذَا قِسْمٌ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْوُصُولُ إلَى التَّعْيِينِ وَلَا يُكَلَّفُ إحْضَارَ عَيْنٍ إلَّا أَنْ يُصَادِفَ الْمُدَّعِي عَيْنًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَدَّعِيهَا اهـ وَمُرَادُ الْإِمَامِ أَنَّ تَكْلِيفَهُ إحْضَارُ عَشَرَةِ أَذْرُعٍ مِمَّا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ صِفَةِ تَمْيِيزٍ لَا وَجْهَ لَهُ، وَكَذَلِكَ تَكْلِيفُهُ إحْضَارَ جَمِيعِ مَا فِي يَدِهِ قَدْ يُؤَدِّي إلَى عُسْرٍ وَمَشَقَّةٍ.
(قَوْلُهُ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْأَوْصَافِ) أَفْهَمَ الِاقْتِصَارُ عَلَى نَفْيِ سَمَاعِ الْبَيِّنَةِ بِالصِّفَةِ جَوَازَ الدَّعْوَى بِهَا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَسِيطِ فَقَالَ وَالدَّعْوَى بِالْعَبْدِ الَّذِي لَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي بِعَيْنِهِ مَسْمُوعَةٌ عَلَى الْوَصْفِ لَا مَحَالَةَ إذْ قَدْ لَا يَقْدِرُ الْمُدَّعِي عَلَى إحْضَارِ الْعَبْدِ، وَهُوَ فِي يَدِ الْخَصْمِ وَنَبَّهَ الزَّرْكَشِيُّ عَلَى أَنَّهُ لَا تُسْمَعُ شَهَادَةٍ بِصِفَةٍ يُخَالِفُهُ مَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ بَعْدَ ذَلِكَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ شَهِدُوا بِأَنَّهُ غَصَبَ مِنْهُ عَبْدًا بِصِفَةِ كَذَا فَمَاتَ الْعَبْدُ اسْتَحَقَّ قِيمَتَهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ (قَوْلُهُ لَكِنْ أَجَابَ ابْنُ الرِّفْعَةِ بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَدْ تُشِيرُ إلَيْهِ فِي الْغَيْبَةِ) ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بِأَنْ عَلِمْت أَنَّ الْقَاضِيَ رَآهُ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ رُؤْيَةً يَتَمَيَّزُ بِهَا عِنْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ فَشَهِدَتْ عَلَى الْعَبْدِ الَّذِي رَآهُ ذَلِكَ الْوَقْتَ قَالَ وَأَيْضًا فَقَدْ يُقَالُ الْمَمْنُوعُ إلَخْ (قَوْلُهُ بِأَنَّ الْمَمْنُوعَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ دُونَ مَا إذَا حَصَلَتْ بِهِ كَمَا هُنَا) وَقَالَ الْحُسْبَانِيُّ الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ الْعَبْدَ الْمَعْرُوفَ بَيْنَ النَّاسِ وَفِي كَلَامِ الْإِمَامِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ الْمُرَادُ فَإِنَّهُ قَالَ إنَّهُ لَوْ تَعَيَّنَ الْمُدَّعَى بِهِ لِلْقَاضِي فَيَجُوزُ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَجْهًا وَاحِدًا أَيْ بِخِلَافِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحَاضِرِ بِالْبَلَدِ قَالَ وَالْفِقْهُ فِيهِ أَنَّ الْخَصْمَ الْمُتَعَيِّنَ إذَا لَمْ يَحْضُرْ فَسَمَاعُ الْبَيِّنَةِ لَمْ يَمْتَنِعْ لِلْجَهَالَةِ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْمَسْلَكُ الْأَقْرَبُ وَلَا يَتَحَقَّقُ فِي الْعَبْدِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْقَاضِي وَالشُّهُودُ (قَوْلُهُ أَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ حِينَ أَنْكَرَ) صَرَّحَ الْغَزَالِيُّ بِأَنَّ الْمُرَادَ بَيِّنَةٌ عَلَى أَنَّ فِي يَدِهِ مِثْلَهُ أَوْ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ الشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِهِ أَوْ بِمَا يَعْرِفُهُ الْقَاضِي مِنْ عَيْنٍ تَشَخَّصَتْ لَهُ فِي وَقْتٍ كَمَا تَقَدَّمَ.
(قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى التَّلَفَ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ عَلَى التَّفْصِيلِ) الْمَارِّ فِي الْوَدِيعَةِ (قَوْلُهُ يَلْزَمُهُ رَدُّهَا) إنْ كَانَتْ بَاقِيَةً حَيَّةً يَلْزَمُهُ رَدُّهَا فِي مَكَانِ الدَّعْوَى (قَوْلُهُ أَوْ ثَمَنُهَا إنْ بَاعَهَا) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ قَدْ يَكُونُ بَاعَهُ وَتَلِفَ الثَّمَنُ أَوْ الثَّوْبُ فِي يَدِهِ تَلَفًا لَا يَقْتَضِي تَضْمِينَهُ وَقَدْ يَكُونُ بَاعَهُ وَلَمْ يُسَلِّمْهُ وَلَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ وَالدَّعْوَى الْمَذْكُورَةُ لَيْسَتْ جَامِعَةً لِذَلِكَ وَالْقَاضِي إنَّمَا يَسْمَعُ الدَّعْوَى الْمَرْدُودَةَ حَيْثُ اقْتَضَتْ الْإِلْزَامَ عَلَى كُلِّ وَجْهٍ فَلَوْ أَتَى بِبَقِيَّةِ الِاحْتِمَالَاتِ لَمْ يَسْمَعْهَا الْحَاكِمُ؛ لِأَنَّ فِيهَا مَا لَا إلْزَامَ فِيهِ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لِذَلِكَ (قَوْلُهُ وَقَيَّدَ ابْنُ الرِّفْعَةِ تَبَعًا لِلْغَزَالِيِّ إلَخْ) هُوَ تَمْثِيلٌ جَرَيَا فِيهِ عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ وَالْأَوْجَهُ الْأَوَّلُ) هُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ مَحَلُّهُ فِي الْمُتَقَوِّمِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَوْ الْمِثْلِيِّ إذَا ظَفِرَ بِهِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّلَفِ وَلِلنَّقْلِ مُؤْنَةٌ بَيَاضٌ بِالْأَصْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute