حَيْثُ قَالَ وَالرَّقْصُ لَيْسَ بِحَرَامٍ (وَبِالتَّكَسُّرِ حَرَامٌ وَلَوْ مِنْ النِّسَاءِ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ أَفْعَالَ الْمُخَنَّثِينَ
(فَرْعٌ الشِّعْرُ) أَيْ إنْشَاؤُهُ وَ (إنْشَادُهُ) وَاسْتِمَاعُهُ أَيْ كُلٌّ مِنْهَا (مُبَاحٌ) اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ لَهُ شُعَرَاءُ يُصْغِي إلَيْهِمْ مِنْهُمْ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ (لَا الْهِجَاءُ) بِالْمَدِّ فَلَيْسَ بِمُبَاحٍ وَلَوْ هِجَاءً بِمَا هُوَ صَادِقٌ فِيهِ لِلْإِيذَاءِ وَعَلَيْهِ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ خَبَرَ مُسْلِمٍ «لَأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ أَحَدِكُمْ قَيْحًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْرًا» (فَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا هَجَا بِمَا يُفَسَّقُ بِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ تَغْلِبْ طَاعَاتُهُ بِقَرِينَةِ مَا مَرَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ إثْمٌ حَاكَى الْهَجْوَ كَإِثْمِ مُنْشَئِهِ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْمَهْجُوُّ مَعْرُوفًا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَيَظْهَرُ أَنَّ إثْمَ الْحَاكِي أَعْظَمُ مِنْ إثْمِ الْمُنْشِئِ إذَا كَانَ قَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ سِرًّا فَأَذَاعَهُ وَهَتَكَ بِهِ سِتْرَ الْمَهْجُوِّ.
(وَفِي التَّعْرِيضِ بِهِ تَرَدُّدٌ) فِي رَدِّ الشَّهَادَةِ بِهِ جَزَمَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهَا تُرَدُّ بِهِ بَلْ رَجَّحَهُ الْأَصْلُ حَيْثُ قَالَ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا كَالتَّصْرِيحِ وَقَالَ ابْنُ كَجٍّ لَيْسَ التَّعْرِيضُ هَجْوًا انْتَهَى وَمَحِلُّ تَحْرِيمِ الْهِجَاءِ إذَا كَانَ لِمُسْلِمٍ فَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ أَيْ غَيْرِ مَعْصُومٍ جَازَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ حَسَّانًا بِهِجَاءِ الْكُفَّارِ وَمِنْ هُنَا صَرَّحَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ بِأَنَّهُ مَنْدُوبٌ وَمِثْلُهُ فِي جَوَازِ الْهَجْوِ الْمُبْتَدِعُ كَمَا ذَكَرَهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْإِحْيَاءِ وَالْفَاسِقُ الْمُعْلِنُ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ جَوَازُ هَجْوِ الْكَافِرِ الْمُعِينِ وَعَلَيْهِ فَيُفَارِقُ عَدَمَ جَوَازِ لَعْنِهِ بِأَنَّ اللَّعْنَ الْإِبْعَادُ مِنْ الْخَيْرِ وَلَاعِنُهُ لَا يَتَحَقَّقُ بَعْدَهُ مِنْهُ فَقَدْ يُخْتَمُ لَهُ بِخَيْرٍ بِخِلَافِ الْهَجْوِ.
(وَالتَّشْبِيبُ بِمُعَيَّنَةٍ) وَهُوَ ذِكْرُ صِفَاتِهَا مِنْ طُولٍ وَقِصَرٍ وَصُدْغٍ وَغَيْرِهَا (وَوَصْفٌ) أَيْ أَوْ وَصْفُ (أَعْضَائِهَا الْبَاطِنَةِ وَلَوْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ مُسْقِطٌ لِلْمَرْأَةِ) فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بَلْ ذَلِكَ مُحَرَّمٌ فِي حَقِّ غَيْرِ الزَّوْجَةِ وَالْأَمَةِ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ الْأَصْلِ لِلْإِيذَاءِ وَالْإِشْهَارِ بِمَا لَا يَلِيقُ وَهَتْكِ السِّتْرِ ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ كَالرَّوْضَةِ فِي حَقِّ زَوْجَتِهِ وَأَمَتِهِ إنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا وَقَدْ نَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى خِلَافِهِ فَقَالَ وَمَنْ شَبَّبَ فَلَمْ يُسَمِّ أَحَدًا لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُشَبِّبَ بِامْرَأَتِهِ وَجَارِيَتِهِ وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَدَمُ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْإِسْنَوِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ وَزَادَ نَعَمْ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يُكْثِرَ مِنْ ذَلِكَ وَإِلَّا رُدَّتْ شَهَادَتُهُ قَالَهُ الْجُرْجَانِيُّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ النَّصَّ الْمَذْكُورَ لَا يُرَدُّ بِهِ ذَلِكَ لِجَوَازِ حَمْلِهِ عَلَى مَا لَيْسَ حَقُّهُ الْإِخْفَاءَ مِنْ وَصْفِ الْأَعْضَاءِ الظَّاهِرَةِ (وَالْغُلَامُ) فِيمَا ذُكِرَ (كَالْمَرْأَةِ إنْ ذَكَرَ أَنَّهُ يَعْشَقُهُ) فَيُشْتَرَطُ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ تَعْيِينُ الْغُلَامِ (فَإِنْ أَكْثَرَ الْكَذِبَ فِيهِ) أَيْ فِي شِعْرِهِ (وَلَمْ يُمْكِنْ حَمْلُهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) وَإِلَّا فَلَا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الْكَذِبِ (وَإِنْ قَصَدَ بِهِ إظْهَارَ الصِّفَةِ لَا إيهَامَ الصِّدْقِ) فَإِنَّ شَهَادَتَهُ تُرَدُّ خِلَافًا لِلْقَفَّالِ وَالصَّيْدَلَانِيِّ قَالَا لِأَنَّ الْكَاذِبَ يُوهِمُ الْكَذِبَ صِدْقًا بِخِلَافِ الشَّاعِرِ (وَالتَّشَبُّبُ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ لَا يَضُرُّ لِأَنَّهُ صَنْعَةٌ) وَغَرَضُ الشَّاعِرِ تَحْسِينُ الْكَلَامِ لَا تَحْقِيقُ الْمَذْكُورِ وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُ مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَضُرُّ مَعَ الْكَثْرَةِ بَنَاهُ الْأَصْلُ عَلَى ضَعِيفٍ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْقَلِيلِ (وَلَيْسَ ذِكْرُ امْرَأَةٍ مَجْهُولَةٍ كَلَيْلَى تَعْيِينًا) التَّمْثِيلُ بِلَيْلَى مِنْ زِيَادَتِهِ
(فَرْعٌ شُرْبُ الْخَمْرِ) عَمْدًا مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ (يُوجِبُ الْحَدَّ وَرَدَّ الشَّهَادَةِ وَإِنْ قَلَّ) الْمَشْرُوبُ وَلَمْ يُسْكِرْ كَمَا مَرَّ (وَتُرَدُّ شَهَادَةُ بَائِعِهَا وَمُشْتَرِيهَا) لِغَيْرِ حَاجَةٍ كَتَدَاوٍ أَوْ قَصْدِ تَخَلُّلٍ (لَا مُمْسِكِهَا فَرُبَّمَا قَصَدَ) بِإِمْسَاكِهَا (التَّخْلِيلَ) أَوْ التَّخَلُّلَ وَلَا عَاصِرِهَا وَمُعْتَصِرِهَا إنْ لَمْ يَقْصِدْ بِذَلِكَ شُرْبَهَا أَوْ الْإِعَانَةَ عَلَيْهِ (وَالْمَطْبُوخُ مِنْهَا كَالنَّبِيذِ) فَإِذَا شَرِبَ مِنْ أَحَدِهِمَا الْقَدْرَ الْمُسْكِرَ حُدَّ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ (فَلَوْ شَرِبَ مِنْهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ الشِّعْرُ وَإِنْشَادُهُ مُبَاحٌ) ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ مِنْهُ نَوْعَانِ مَا حَذَّرَ مِنْ الْآخِرَةِ وَمَا حَثَّ عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ (قَوْلُهُ لَا الْهِجَاءُ فَتُرَدُّ بِهِ الشَّهَادَةُ) لِأَنَّهُ يُحْفَظُ عَنْهُ وَيُنْشَدُ كُلَّ وَقْتٍ فَيَحْصُلُ بِهِ التَّأَذِّي لِلْمَهْجُوِّ وَوَلَدِهِ بِخِلَافِ غَيْرِ النَّظْمِ (قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَيْسَ إثْمُ حَاكِي الْهَجْوِ كَإِثْمِ مُنْشَئِهِ إذَا اسْتَوَيَا) أَمَّا لَوْ أَنْشَأَهُ وَلَمْ يُذِعْهُ وَأَذَاعَهُ الْحَاكِي وَأَشْهَرَهُ فَهُوَ أَشَدُّ مَأْثَمًا بِلَا شَكٍّ غ (قَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَيَظْهَرُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ جَزَمَ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ بِأَنَّهَا تُرَدُّ بِهِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لِكَافِرٍ) أَيْ غَيْرِ مَعْصُومٍ جَازَ فَصَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الْكَافِرِ بَيْنَ مَنْ لَهُ ذِمَّةٌ أَوْ عَهْدٌ أَوْ مَيِّتٍ يَتَأَذَّى لِهَجْوِهِ أَهْلُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ الذِّمِّيِّينَ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَكُنْ بِهَذِهِ الصِّفَةِ وَقَوْلُهُ فَصَّلَ بَعْضُهُمْ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ أَيْضًا لِلْأَذْرَعِيِّ نَظَرٌ فِي حَرْبِيٍّ مَيِّتٍ يَتَأَذَّى بَهِجُوهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ قَالَ شَيْخُنَا لَيْسَ الْكَلَامُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ (قَوْلُهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الرُّويَانِيُّ وَغَيْرُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْعِمْرَانِيُّ وَبَحَثَهُ الْإِسْنَوِيُّ) أَيْ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ تَحْرِيمُهُ إلَّا لِقَصْدِ زَجْرِهِ فَإِنَّهُ قَدْ يَتُوبُ وَتَبْقَى عَلَيْهِ وَصْمَةُ الشَّعْرِ السَّابِقِ (قَوْلُهُ وَوَصْفُ أَعْضَائِهَا الْبَاطِنَةِ إلَخْ) قَالَ الْفَتَى جَعَلَ وَصْفَ الْأَعْضَاءِ فِي الْمُعَيَّنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مُسْقِطٌ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهَا فَعَبَّرْت بِالصَّوَابِ وَقُلْت وَالتَّشْبِيبُ بِمُعَيَّنَةٍ أَوْ يَصِفُ أَعْضَاءً بَاطِنَةً وَلَوْ مِنْ زَوْجَتِهِ مُسْقِطٌ لِلْمُرُوءَةِ.
(قَوْلُهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ بَحْثًا) وَهُوَ الرَّاجِحُ (قَوْلُهُ وَنُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَدَمُ رَدِّ الشَّهَادَةِ عَنْ الْجُمْهُورِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ مَا يُسْقِطُ مُرُوءَتَهُ مِنْ ذِكْرِ مَا حَقُّهُ الْإِخْفَاءُ (قَوْلُهُ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْكَذِبِ فِيهِ إلَخْ) قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ الشِّعْرُ الْمَحْظُورُ بِالْكَذِبِ وَالْفُحْشِ هُمَا جَرْحٌ فِي حَقِّ قَائِلِهِ وَأَمَّا مُنْشِدُهُ فَإِنْ حَكَاهُ اضْطِرَارًا لَمْ يَكُنْ جَرْحًا أَوْ اخْتِيَارًا كَانَ جَرْحًا وَقَدْ قَالَ السُّهَيْلِيُّ وَصَاحِبُ الْمُغْنِي مِنْ الْحَنَابِلَةِ إنَّهُ لَا تَحْرُمُ رِوَايَةُ شِعْرِ الْهَجْوِ فَإِنَّ الْمَغَازِيَ رُوِيَ فِيهَا قَصَائِدُ الْكُفَّارِ الَّذِينَ هَجَوْا الصَّحَابَةَ وَأَذِنَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الشِّعْرِ الَّذِي تَقَاوَلُوهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ وَغَيْرِهِمَا إلَّا قَصِيدَةَ أُمَيَّةَ بْنِ الصَّلْتِ فَيَنْبَغِي تَقْيِيدُ الْمَنْعِ بِمَا لَا يَتَضَمَّنُ غَيْرَ الْإِيذَاءِ كَشِعْرِ أَهْلِ الزَّمَانِ وَدَأْبِ أَهْلِ اللَّعِبِ وَالْبَطَالَةِ ر (قَوْلُهُ فَيُقَيَّدُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ بِالْقَلِيلِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَلَيْلَى) وَلَبَنَى وَدُعْدَى وَسُعْدَى وَسَلْمَى وَنَحْوِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute