للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحِقًّا فِي قَذْفِي وَقَدْ ثَبَتَ مِنْهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِيَنْدَفِعَ عَارُ الْقَذْفِ وَتَبِعَ فِي عَطْفِهِ لَا أَعُودُ بِالْوَاوِ الْأَصْلَ كَالْجُمْهُورِ وَلَكِنْ عَبَّرَ الْبَغَوِيّ فِي تَعْلِيقِهِ بِأَوْ (وَلَا يَشْتَرِطُهُ) فِيهَا (أَنْ يَقُولَ كَذَبْت) فِيمَا قَذَفْته بِهِ (فَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا) فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِالْكَذِبِ وَأَمَّا خَبَرُ تَوْبَةِ الْقَاذِفِ إكْذَابُهُ نَفْسَهُ فَغَرِيبٌ وَبِتَقْدِيرِ شُهْرَتِهِ فَمَحْمُولٌ عَلَى الرُّجُوعِ وَالْإِقْرَارِ بِبُطْلَانِ مَا صَدَرَ مِنْهُ فَإِنَّهُ نَوْعُ إكْذَابٍ (سَوَاءٌ كَانَ) الْقَذْفُ (بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي) بِأَنْ لَمْ يَكْمُلْ عَدَدُ الشُّهُودِ (أَوْ بِالسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ وَ) لَكِنْ لَوْ (كَانَ قَذْفُهُ فِي شَهَادَةٍ لَمْ تَكْمُلْ) عَدَدًا (فَلْيَتُبْ) أَيْ يُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ تَوْبَتُهُ (عِنْدَ الْقَاضِي وَلَا يُشْتَرَطُ) حِينَئِذٍ (مُضِيُّ الْمُدَّةِ) إذَا كَانَ عَدْلًا قَبْلَ الْقَذْفِ (وَإِنْ كَانَ) قَذَفَهُ (بِالسَّبِّ وَالْإِيذَاءِ اُشْتُرِطَ مُضِيُّهَا) لِأَنَّ ذَلِكَ فِسْقٌ مَقْطُوعٌ بِهِ بِخِلَافِ الْفِسْقِ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ شَهِدَ بِالزِّنَا وَإِنْ لَمْ يَتُبْ وَتَخْصِيصُهُ وُجُوبَ التَّوْبَةِ عِنْدَ الْقَاضِي بِالْقَذْفِ بِصُورَةِ الشَّهَادَةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَصَرَّحَ بِهِ الزَّرْكَشِيُّ قَالَ وَكَلَامُ الْغَزَالِيِّ فِي الْإِحْيَاءِ يُشِيرُ إلَيْهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّوْبَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْقَذْفِ مُشْكِلٌ وَإِلْحَاقُهُ بِالرِّدَّةِ ضَعِيفٌ فَإِنَّ اشْتِرَاطَ كَلِمَتَيْ الشَّهَادَةِ مُطَّرِدٌ فِي الرِّدَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْفِعْلِيَّةِ كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ فِي الْقَاذُورَاتِ زَادَ الرَّافِعِيُّ وَبِالْجُمْلَةِ فَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْقَوْلِ أَنْ يَقُولَ مَا كُنْت مُحِقًّا فِي قَوْلِ كَذَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِي الْفِعْلِ مَا كُنْت مُحِقًّا فِي فِعْلِ كَذَا.

وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَقَدْ نَبَّهَ عَلَيْهِ الْأَذْرَعِيُّ مَعَ زِيَادَةٍ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ الرِّدَّةِ مُدَّةٌ وَفَرَّقُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْمَعَاصِي بِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فَقَدْ أَتَى بِضِدِّ الْكُفْرِ فَلَمْ يَبْقَ بَعْدَ ذَلِكَ احْتِمَالٌ بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ بِمَا إذَا أَسْلَمَ مُرْسِلًا فَإِنْ أَسْلَمَ عِنْدَ تَقْدِيمِ الْقَتْلِ اُعْتُبِرَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ

(فَرْعٌ لَوْ قَذَفَهُ وَأَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى زِنَاهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ) لِإِظْهَارِ صِدْقِهِ بِالْبَيِّنَةِ (وَلَمْ يَقْدَحْ) قَذْفُهُ (فِيهِ) أَيْ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ وَالتَّصْرِيحُ بِهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ (وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ اعْتَرَفَ) بِهِ (الْمَقْذُوفُ أَوْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ وَلَاعَنَ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ أَوْ طَلَبَ الْمَقْذُوفُ الْحَدَّ فَطَلَبَ الْقَاذِفُ يَمِينَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَزْنِ فَنَكَلَ (وَلَا يُشْتَرَطُ) فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ (إحْصَانُ الْمَقْذُوفِ بَلْ قَذْفُهُ لِعَبْدِهِ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَتُهُ) وَيَكْفِي تَحْرِيمُ الْقَذْفِ سَبَبًا لِلرَّدِّ (وَشَاهِدُ الزُّورِ يَقُولُ) فِي تَوْبَتِهِ مِنْ شَهَادَتِهِ (كَذَبْت فِيمَا قُلْت وَلَا أَعُودُ) إلَى مِثْلِهِ لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ بِالْعِلْمِ بِأَنَّهُ شَهِدَ زُورًا فَلَيْسَ فِيهِ أَمْرُهُ بِالْكَذِبِ (وَيَسْتَبْرِئُ) مَعَ ذَلِكَ (سَنَةً) كَسَائِرِ الْفَسَقَةِ (ثُمَّ) إذَا ظَهَرَ صَلَاحُهُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَاعْلَمْ أَنَّ اشْتِرَاطَ التَّوْبَةِ بِالْقَوْلِ فِي الْقَذْفِ مُشْكِلٌ وَإِلْحَاقَهُ بِالرِّدَّةِ ضَعِيفٌ إلَخْ) وَيَلْزَمُهُمْ اشْتِرَاطُ الْقَوْلِ فِي كُلِّ قَوْلٍ كَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ قَالَ وَقَدْ صَرَّحَ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ بِهِ فِي شَهَادَةِ الزُّورِ فَقَالَ التَّوْبَةُ مِنْهَا أَنْ يَقُولَ كَذَبْت وَلَا أَعُودُ. اهـ. وَحَكَاهُ الْغَزَالِيُّ فِي الْمُبَادَرَةِ بِالشَّهَادَةِ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْأَصْحَابِ وَنَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعِهِ وَأَسْقَطَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَجَابَ فِي الْمَطْلَبِ بِأَنَّ الرِّدَّةَ بِالْقَوْلِ إلَى آخِرِ مَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمَطْلَبِ ثُمَّ تَعَقَّبَهُ) أَيْ بِأَنَّ الرِّدَّةَ بِالْقَوْلِ هِيَ الْحَقِيقَةُ وَالْفِعْلُ مُلْحَقٌ بِهِ فَقِيَاسُ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْأَصْلِ قَالَ وَلَا نُسَلِّمُ الِاكْتِفَاءَ فِي الرِّدَّةِ الْفِعْلِيَّةِ بِالْقَوْلِ إذَا لَمْ يُزَلْ الْمُصْحَفُ مِنْ ذَلِكَ مَعَ إمْكَانِهِ ثُمَّ الْفَرْقُ بَيْنَ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ أَشَدُّ ضَرَرًا لِأَنَّهُ يُكْسِبُهُ عَارًا بِخِلَافِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَالْغَيْبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَأَجَابَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي عَنْهُ مِنْ أَنَّ اعْتِبَارَ الْقَوْلِ فِي الْمَعَاصِي الْقَوْلِيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا أَبْرَزَهُ قَائِلُهُ عَلَى أَنَّهُ مُحِقٌّ فِيهِ وَلَا يَأْتِي ذَلِكَ فِي مَعَاصِي الْأَفْعَالِ لِأَنَّهُ مَتَى أَبْرَزَهُ عَلَى أَنَّهُ حَقُّ كُفْرٍ وَقَالَ إنَّهُ مِنْ النَّفَائِسِ وَهُنَا أُمُورٌ أَحَدُهَا حَمَلَ الْبُلْقِينِيُّ كَلَامَهُمْ عَلَى مَا أَتَى بِهِ عَلَى صُورَةِ أَنَّهُ مُحِقٌّ فِيهِ فَأَمَّا غَيْرُهُ كَاللَّعْنِ، وَقَوْلِهِ يَا خِنْزِيرُ وَنَحْوِهِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِي التَّوْبَةِ مِنْهُ الْقَوْلُ قَطْعًا لِعَدَمِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِذَلِكَ قَالَ وَلَمْ أَرَ مَنْ نَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ ثَانِيهَا أَنَّ عِبَارَةَ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ وَالْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلُهَا الْقَذْفُ بَاطِلٌ.

وَذَكَرَ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّ قَذْفِي بَاطِلٌ لَا يُسَاوِيهِ لِاحْتِمَالِ الْإِضَافَةِ لِلْمَفْعُولِ ثَالِثُهَا ذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ أَنَّهُ يَقُولُ الْقَذْفُ بَاطِلٌ حَرَامٌ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَظَاهِرُهُ اعْتِبَارُ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ فَإِنَّ الْبَاطِلَ يُطْلَقُ عَلَى الْهَدَرِ وَمِنْهُ ذَهَبَ دَمُهُ بُطْلًا وَعَلَى اللَّهْوِ وَمِمَّنْ اعْتَبَرَ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ وَاقْتَصَرَ الْمَحَامِلِيُّ فِي التَّجْرِيدِ عَلَى قَوْلِهِ حَرَامٌ وَهُوَ حَسَنٌ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَعَلَّهُ لَمَّا أَظْهَرَ الْقَذْفَ وَجَاهَرَ بِهِ حَسُنَ أَنْ يَجِبَ الرُّجُوعُ عَنْهُ بِالْقَوْلِ جَبْرُ الْقَلْبِ الْمَقْذُوفِ وَصَوْنًا لِمَا انْتَهَكَهُ مِنْ عِرْضِهِ وَأَمَّا الْمَعْصِيَةُ الْفِعْلِيَّةُ فَالْحَقُّ فِي التَّوْبَةِ عَنْهَا مُتَمَحِّضٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَلَمْ يَحْتَجْ إلَى التَّلَفُّظِ بِهَا إذْ الْعُمْدَةُ فِيهَا الصِّدْقُ بَاطِنًا وَذَلِكَ الْمَعْنَى مَعْدُومٌ هُنَا وَأَمَّا الرِّدَّةُ وَكَوْنُهُ لَا بُدَّ فِيهَا مِنْ التَّلَفُّظِ فِي الْحَالَيْنِ فَفِيهِ تَعَبُّدٌ مِنْ الشَّارِعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَفَرَ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّلَفُّظِ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلَوْ قَذَفَ بِقَلْبِهِ لَمْ يَحْتَجْ إلَى لَفْظٍ أَلْبَتَّةَ فِيمَا نَعْتَقِدُهُ بَلْ وَلَوْ قَذَفَ خَالِيًا بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُهُ إلَّا اللَّهُ تَعَالَى (قَوْلُهُ وَقَيَّدَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالرُّويَانِيُّ إلَخْ) وَهُوَ حَسَنٌ ر (قَوْلُهُ وَشَاهِدُ الزُّورِ يَقُولُ كَذَبْت فِيمَا قُلْت وَلَا أَعُودُ) عُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِالزُّورِ فَأَنْكَرَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَا دَامَ مُنْكِرًا لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُصِرٌّ عَلَى مَا حَدَثَ مِنْهُ وَكَتَبَ أَيْضًا قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَإِذَا ثَبَتَ زُورُ الشَّاهِدِ بِإِقْرَارِهِ فَقَدْ اعْتَرَفَ بِلِسَانِهِ بِزُورِهِ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي إعَادَتِهِ وَإِذَا ثَبَتَ بِغَيْرِ إقْرَارِهِ فَيَكْفِيهِ أَنْ يَقُولَ ثَبَتَ مِنْ شَهَادَةِ الزُّورِ وَلَا يُعْتَبَرُ فِي الْقَوْلِ شَيْءٌ غَيْرُ ذَلِكَ.

ثُمَّ قَالَ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ فِي شَاهِدِ الزُّورِ الْقَوْلُ بِخِلَافِ الْقَذْفِ لِظُهُورِ زُورِهِ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَنْ يَقُولَ ذَلِكَ فِي تَوْبَتِهِ حَتَّى أَنَّ شَاهِدَ الزُّورِ لَوْ ظَهَرَ زُورُهُ فِي شَهَادَةِ الْقَذْفِ بِأَنْ شَهِدَ أَنَّهُ رَآهُ يَزْنِي أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْ الْمُحَرَّمِ سَنَةَ كَذَا وَظَهَرَ بِالطَّرِيقِ الْمُعْتَبَرِ أَنَّ الشَّاهِدَ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ بِمِصْرٍ أَوْ أَنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ كَانَ بِمَكَّةَ فَلَا أَعْتَبِرُ فِي التَّوْبَةِ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَزَالَ مَا كَانَ يَلْحَقُ الْمَقْذُوفَ مِنْ الْعَارِ بِمَا هُوَ أَشَدُّ فِي الْإِزَالَةِ مِنْ الْقَوْلِ. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>