للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسَاجِدِ وَالْجِهَاتِ الْعَامَّةِ (وَ) تُقْبَلُ (فِي أَنَّهُ قَدْ حُدَّ لِأَنَّهُ) حَقُّ آدَمِيٍّ فَإِنَّهُ (إسْقَاطٌ) لِلْحَدِّ عَنْهُ أَمَّا حَدُّ اللَّهِ تَعَالَى وَالْإِحْصَانُ فَلَا تُقْبَلُ فِيهِمَا لِبِنَاءِ الْحَدِّ الْمَشْرُوطِ بِالْإِحْصَانِ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى التَّخْفِيفِ بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُضَايَقَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْعِ بَدَلٌ عَنْ شَهَادَةِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ يُوَرِّثُ شُبْهَةً لِانْضِمَامِ احْتِمَالِ الْجِنَايَةِ فِي الْفَرْعِ إلَى احْتِمَالِهَا فِي الْأَصْلِ وَكَلَامُهُ كَأَصْلِهِ شَامِلٌ لِجَوَازِ إشْهَادِ الْفَرْعِ عَلَى شَهَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَمَا يَجُوزُ الضَّمَانُ عَنْ الضَّامِنِ (وَفِيهِ أَطْرَافٌ) أَرْبَعَةٌ (الْأَوَّلُ فِي) كَيْفِيَّةِ (تَحَمُّلِهَا) وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَحَمُّلُهَا إذَا عُلِمَ أَنَّ عِنْدَ الْأَصْلِ شَهَادَةً جَازِمَةً بِحَقٍّ ثَابِتٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ.

(وَلَهُ أَسْبَابٌ) ثَلَاثَةٌ (الْأَوَّلُ أَنْ يَسْتَرْعِيَهُ) الْأَصْلُ أَيْ يَلْتَمِسَ مِنْهُ رِعَايَةَ الشَّهَادَةِ وَحِفْظَهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ نِيَابَةٌ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْإِذْنُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي (فَيَقُولُ أَنَا شَاهِدٌ بِكَذَا وَأُشْهِدُك) أَوْ أَشْهَدْتُك عَلَى شَهَادَتِي بِهِ (أَوْ اشْهَدْ عَلَى شَهَادَتِي) بِكَذَا (أَوْ إذَا اُسْتُشْهِدْت عَلَى شَهَادَتِي) بِكَذَا (فَقَدْ أَذِنْت لَك أَنْ تَشْهَدَ) بِهِ (فَلَهُ وَلِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ) عَلَى شَهَادَتِهِ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ فِي الِاسْتِرْعَاءِ أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي وَعَنْ شَهَادَتِي لَكِنَّهُ أَتَمُّ فَقَوْلُهُ أُشْهِدُك عَلَى شَهَادَتِي تَحْمِيلٌ وَقَوْلُهُ عَنْ شَهَادَتِي إذْنٌ فِي الْأَدَاءِ كَأَنَّهُ قَالَ أَدِّهَا عَنِّي وَلِإِذْنِهِ أَثَرٌ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ بَعْدَ التَّحْمِيلِ لَا تُؤَدِّ عَنِّي امْتَنَعَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (إلَّا إنْ نَهَاهُ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ اشْهَدْ بِكَذَا شَهَادَةً مَجْزُومَةً مَثْبُوتَةً) أَيْ مَقْطُوعًا بِهَا (لَمْ يَكْفِ) فِي التَّحَمُّلِ فَلَا يَكْفِي فِيهِ بِالْأَوْلَى مَا لَوْ سَمِعَهُ يَقُولُ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا أَوْ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا لَا عَلَى صُورَةِ الْأَدَاءِ فَقَدْ يُرِيدُ عِدَةً كَانَ قَدْ وَعَدَهَا أَوْ يُشِيرُ بِكَلِمَةِ عَلَى إلَى أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ بَابِ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ وَيُنْزِلُهَا مَنْزِلَةَ الدُّيُونِ وَقَدْ يَتَسَاهَلُ بِإِطْلَاقِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ أَوْ فَاسِدٍ فَإِذَا آلَ الْأَمْرُ إلَى الشَّهَادَةِ أَحْجَمَ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ الْأَصْلُ (وَيَتَعَيَّنُ) فِي التَّحَمُّلِ (لَفْظُ الشَّهَادَةِ) مِنْ الْأَصْلِ كَمَا مَرَّ مِثَالُهُ (لَا) قَوْلُهُ (أُعْلِمُك وَأُخْبِرُك) بِكَذَا (وَنَحْوَهُمَا) فَلَا يَكْفِي كَمَا لَا يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (عِنْدَ الْقَاضِي) السَّبَبُ (الثَّانِي أَنْ يَسْمَعَهُ يَشْهَدُ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ) سَوَاءٌ جَوَّزْنَا التَّحْكِيمَ أَمْ لَا (فَلِكُلٍّ) مِمَّنْ سَمِعَهُ (حَتَّى الْقَاضِي التَّحَمُّلُ عَنْهُ) وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَشْهَدُ عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الْمُحَكَّمِ بَعْدَ تَحْقِيقِ الْوُجُوبِ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ أَمِيرٍ أَوْ وَزِيرٍ

(السَّبَبُ الثَّالِثُ أَنْ يُبَيِّنَ السَّبَبَ) أَيْ سَبَبَ الْوُجُوبِ (فَيَقُولُ اشْهَدْ أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ قَرْضٍ) أَوْ أَرْشِ جِنَايَةٍ أَوْ غَيْرِهِ (فَلَهُ التَّحَمُّلُ) وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ وَلَمْ يَشْهَدْ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ مُحَكَّمٍ لِانْتِفَاءِ احْتِمَالِ الْوَعْدِ وَالتَّسَاهُلِ مَعَ الْإِسْنَادِ إلَى السَّبَبِ (بِخِلَافِ الْمُقِرِّ) كَأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ (كَذَا فَإِنَّ لَك أَنْ تَشْهَدَ عَلَيْهِ) بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ) وَلَمْ يَسْتَرْعِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِخَبَرٍ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا يَكَادُ يَتَسَاهَلُ بِخِلَافِ الشَّاهِدِ وَلِأَنَّ الْإِقْرَارَ أَوْسَعُ بَابًا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يُقْبَلُ إقْرَارُ الْفَاسِقِ وَالْمُغَفَّلِ وَالْمَجْهُولِ دُونَ شَهَادَتِهِمْ (وَيَقُولُ الْمُحْتَمِلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ) لِلشَّهَادَةِ (إنْ اسْتَرْعَى) لَهَا (اشْهَدْ أَنَّ فُلَانًا يَشْهَدُ) عِبَارَةُ أَصْلِهِ شَهِدَ (أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ) وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُولَ وَأَذِنَ لِي أَنْ أَشْهَدَ إذَا اُسْتُشْهِدْت (وَإِلَّا) أَنْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِ (بَيَّنَ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي) أَوْ الْمُحَكَّمِ (أَوْ أَنَّهُ بَيَّنَ السَّبَبَ)

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانُ) أَيْ إنْ ثَبَتَ زِنَاهُ لَا مُطْلَقًا وَبَحَثَ ابْنُ النَّقِيبِ الْفَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ زِنَاهُ بِالْإِقْرَارِ فَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي إحْصَانِهِ لِإِمْكَانِ رُجُوعِهِ وَبَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لَهُ وَجْهٌ قَوِيٌّ أَقْوَى مِنْ إطْلَاقِ الثُّبُوتِ قَالَ وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ بُلُوغُ مَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ لِأَنَّهُ يَئُولُ إلَى الْعُقُوبَةِ وَكَذَا بَقِيَّةُ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْإِحْصَانِ قَالَ وَيُزَادُ عَلَيْهِ لِعَانُ الزَّوْجِ إذَا أَنْكَرَتْهُ الْمَرْأَةُ لَا يَثْبُتُ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى لِعَانِهِ إيجَابُ الْحَدِّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا لَمْ تُلَاعِنْ وَكَذَا الشَّهَادَةُ بِانْتِقَاضِ عَهْدِ الذِّمِّيِّ لِتَخَيُّرِ الْإِمَامِ فِيهِ بَيْنَ أُمُورٍ مِنْهَا الْقَتْلُ وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْإِمَامِ بِاخْتِيَارِ الْقَتْلِ وَعَلَى الْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ بِقَتْلِ مَنْ نَزَلَ عَلَى حُكْمِهِ مِنْ الرِّجَالِ الْمُكَلَّفِينَ (قَوْلُهُ وَلِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ فَظَهَرَ بِذَلِكَ أَنَّهُ إذَا سَمِعَ قَضَاءَ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ عَلَى قَضَاءِ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَسْتَرْعِهِ وَكَذَا الْمُحَكَّمُ إذَا جَوَّزْنَا حُكْمَهُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مَعَ الْإِذْنِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَتِهِ مِنْ أَنْ يُخْبِرَ بِأَنَّ عِنْدَهُ شَهَادَةً بِكَذَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

(قَوْلُهُ كَمَا لَا يَكْفِي فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي) إنَّمَا تَعَيَّنَ فِي أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَفْظُ اشْهَدْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ الدَّالَّةِ عَلَى تَحْقِيقِ الشَّيْءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ عَلَى تَعَيُّنِهِ وَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ اسْمٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ وَهِيَ الِاطِّلَاعُ عَلَى الشَّيْءِ عِيَانًا وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ الْمُضَارِعُ لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ وَلِأَنَّهُ قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْقَسَمِ نَحْوَ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا أَيْ أَقْسِمُ فَتَضَمَّنَ لَفْظُ أَشْهَدُ مَعْنَى الْمُشَاهَدَةِ وَالْقَسَمِ وَالْإِخْبَارِ فِي الْحَالِ فَكَأَنَّ الشَّاهِدَ قَالَ أَقْسِمُ بِاَللَّهِ وَأَنَا الْآنَ أُخْبِرُ بِهِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي مَفْقُودَةٌ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَلْفَاظِ (قَوْلُهُ حَتَّى الْقَاضِي) أَيْ وَالْمُحَكَّمُ (قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِالشَّهَادَةِ عِنْدَ أَمِيرٍ أَوْ وَزِيرٍ) بِنَاءً عَلَى تَصْحِيحِ النَّوَوِيِّ وُجُوبَ أَدَائِهَا عِنْدَهُ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَعِنْدِي يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الشَّاهِدَ لَا يَقْدُمُ عَلَى ذَلِكَ عِنْدَ الْأَمِيرِ أَوْ الْوَزِيرِ وَهُوَ جَازِمٌ بِثُبُوتِ الْمَشْهُودِ بِهِ قَالَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْكَبِيرِ الَّذِي دَخَلَ فِي الْقَضِيَّةِ بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ) فَلَا يَكَادُ يَتَسَاهَلُ فَإِقْرَارُهُ بِهِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَهُوَ الْمُفَرِّطُ وَمَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ هُنَا لَا تَفْرِيطَ مِنْهُ وَالشَّاهِدُ قَدْ يُقَصِّرُ وَيَتَسَاهَلُ فَلَا يَكُونُ تَقْصِيرُهُ سَبَبًا لِإِضْرَارِ غَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَيَقُولُ الْمُتَحَمِّلُ عِنْدَ الْأَدَاءِ إلَخْ) فِي تَعْلِيقِ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى ثَمَانِ شِينَاتٍ فَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا شَهِدَ عِنْدِي أَنَّ لِفُلَانٍ عَلَى فُلَانٍ كَذَا وَأَشْهَدَنِي عَلَى شَهَادَتِهِ وَأَذِنَ لِي فِي أَنْ أَشْهَدَ إذَا اُسْتُشْهِدْت وَأَنَا الْآنَ أَشْهَدُ عَلَى شَهَادَتِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>