للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اعْتَرَفَ بِالْخَطَأِ وَكَذَّبَتْهُ الْعَاقِلَةُ فَلَهُ تَحْلِيفُهُمْ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فَيَكُونُ الصَّحِيحُ خِلَافَ مَا قَالَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ فَإِنَّ الشَّاهِدَ فَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ مَا دَخَلَ ثَمَّ فِي كَلَامِهِ انْتَهَى عَلَى أَنَّ ابْنَ الْقَطَّانِ لَمْ يَجْزِمْ بِذَلِكَ بَلْ حَكَى وَجْهَيْنِ كَمَا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ حِكَايَةِ الدَّارِمِيِّ عَنْهُ قَالَ الْإِمَامُ وَقَدْ يَرَى الْقَاضِي فِيمَا إذَا قَالُوا أَخْطَأْنَا تَعْزِيرَهُمْ لِتَرْكِهِمْ التَّحَفُّظَ نَقَلَهُ عَنْهُ الْأَصْلُ وَأَقَرَّهُ وَحَذَفَهُ الْمُصَنِّفُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ الْمَعْرُوفِ عَدَمِ التَّعْزِيرِ فَقَدْ جَزَمَ بِهِ الْقَفَّالُ وَالْقَاضِي أَبُو الطِّيبِ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَابْنُ الصَّبَّاغِ وَالْبَغَوِيُّ وَالرُّويَانِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّي لَكِنْ جَمَعَ الْأَذْرَعِيُّ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ بِأَنَّ هَؤُلَاءِ أَرَادُوا أَنَّهُ لَا يَتَحَتَّمُ التَّعْزِيرُ بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إلَى رَأْيِ الْحَاكِمِ كَمَا قَالَ الْإِمَامُ (وَرُجُوعُ الْقَاضِي وَحْدَهُ كَرُجُوعِهِمْ) فَإِنْ قَالَ تَعَمَّدْت الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ أَوْ أَخْطَأْت فَدِيَةٌ مُخَفَّفَةٌ عَلَيْهِ لَا عَلَى عَاقِلَةٍ كَذَّبَتْهُ

(فَإِنْ رَجَعُوا) أَيْ الْقَاضِي وَالشُّهُودُ (مَعًا فَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَمِيعِ) إنْ قَالُوا تَعَمَّدْنَا (وَالدِّيَةُ) عَلَيْهِمْ (مُنَاصَفَةً) لِاعْتِرَافِهِمْ بِسَبَبِ قَتْلِهِ عَمْدًا عُدْوَانًا قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا نَقَلَهُ الْبَغَوِيّ وَغَيْرُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ رَجَعَ بَعْضُ الشُّهُودِ انْتَهَى وَرُدَّ الْقِيَاسُ بِأَنَّ الْقَاضِيَ قَدْ يَسْتَقِلُّ بِالْمُبَاشَرَةِ فِيمَا إذَا قَضَى بِعِلْمِهِ بِخِلَافِ الشُّهُودِ وَيُرَدُّ أَيْضًا بِأَنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِ الشُّهُودِ وَحْدَهُمْ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ (وَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ) لِلدَّمِ وَلَوْ (مَعَهُمْ فَعَلَيْهِ دُونَهُمْ) الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ وَهُمْ مَعَهُ كَالْمُمْسِكِ مَعَ الْقَاتِلِ (أَوْ) رَجَعَ (الْمُزَكِّي) لِلشُّهُودِ وَلَوْ قَبْلَ شَهَادَتِهِمْ (لَزِمَهُ الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ) لِأَنَّهُ بِالتَّزْكِيَةِ أَلْجَأَ الْقَاضِيَ إلَى الْحُكْمِ الْمُفْضِي إلَى الْقَتْلِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ عَلِمْت كَذِبَهُمْ وَقَوْلِهِ عَلِمْت فِسْقَهُمْ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ وَقَالَ الْقَفَّالُ مَحِلُّهُ إذَا قَالَ عَلِمْت كَذِبَهُمْ فَإِنْ قَالَ عَلِمْت فِسْقَهُمْ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ قَدْ يُصَدَّقُونَ مَعَ فِسْقِهِمْ (وَلَوْ قَالَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ شَاهِدَيْنِ (تَعَمَّدْت وَأَخْطَأَ صَاحِبِي فَلَا قِصَاصَ) لِانْتِفَاءِ تَمَحَّضَ الْعَمْدِ لِعِدْوَانٍ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا بِإِقْرَارِهِ بَلْ يَلْزَمُهُمَا دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ (أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا تَعَمَّدْت وَصَاحِبِي أَخْطَأَ أَوْ) قَالَ تَعَمَّدْت (وَلَا أَدْرِي أَتَعَمَّدَ صَاحِبِي أَمْ لَا وَهُوَ مَيِّتٌ أَوْ غَائِبٌ) لَا يُمْكِنُ مُرَاجَعَتُهُ أَوْ اقْتَصَرَ عَلَى تَعَمَّدْت وَقَالَ صَاحِبُهُ أَخْطَأْت (فَلَا قِصَاصَ) لِمَا مَرَّ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ لِقَوْلِ الْإِسْنَوِيِّ الْمَعْرُوفِ عَدَمَ التَّعْزِيرِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْخَطَأَ جَائِزٌ عَلَيْهِمْ

(قَوْلُهُ فَالْقِصَاصُ عَلَى الْجَمِيعِ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ فِي الْوَلِيِّ وَالشُّهُودِ مِنْ أَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا اخْتَصَّ الْقِصَاصُ بِالْوَلِيِّ لِأَنَّهُ مُسْتَقِلٌّ كَالْوَالِي فَإِنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ لَا يَحْكُمَ وَلَا يُقَالُ هُوَ مَلْجَأٌ لِأَنَّ رُجُوعَهُ وَاعْتِرَافَهُ بِالتَّعَمُّدِ يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَخْتَصُّ الْقِصَاصُ بِالْقَاضِي كَمَا يَخْتَصُّ بِالْوَلِيِّ اهـ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا وَاضِحٌ

(قَوْلُهُ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يَجِبَ كَمَالُ الدِّيَةِ عِنْدَ رُجُوعِهِ وَحْدَهُ إلَخْ) أَجَابَ عَنْهُ الْبُلْقِينِيُّ بِأَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِجِهَةِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الْحَامِلَةُ بِشَهَادَتِهَا عَلَى الْقَتْلِ وَبِجِهَةِ الْحُكْمِ وَهِيَ الْفَاعِلَةُ لِلْقَتْلِ وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا نَوْعُ اسْتِقْلَالٍ وَنَوْعُ مُشَارَكَةٍ فَإِذَا اخْتَصَّتْ إحْدَى الْجِهَتَيْنِ بِالرُّجُوعِ لَزِمَهَا الْقِصَاصُ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ نَظَرًا إلَى اسْتِقْلَالِهَا فِي جِهَتِهَا وَلِهَذَا نَقُولُ فِي الشُّهُودِ إذَا رَجَعُوا: إنَّهُ يَلْزَمُهُمْ الْقِصَاصُ عِنْدَ التَّعَمُّدِ أَوْ الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ وَلَمْ يَنْظُرُوا إلَى جِهَةِ الْحُكْمِ حَتَّى تُوجِبَ عَلَى الشُّهُودِ نِصْفَ الدِّيَةِ نَظَرًا إلَى اسْتِقْلَالِهِمْ فِي جِهَةِ الشَّهَادَةِ فَكَذَلِكَ الْقَاضِي إذَا رَجَعَ وَحْدَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ نَظَرًا إلَى اسْتِقْلَالِ جِهَةِ الْحُكْمِ كَاسْتِقْلَالِ جِهَةِ الشَّهَادَةِ فَإِذَا رَجَعَتْ الْجِهَتَانِ فَلَا تَرْجِيحَ وَتَثْبُتُ الْمُشَارَكَةُ وَفِي قَاتِلِي أَبِي جَهْلٍ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كِلَاكُمَا قَتَلَهُ» وَخَصَّ بِالسَّلْبِ مَنْ وَجَدَ لَهُ مُرَجِّحًا كَذَلِكَ هُنَا يَخُصُّ الضَّمَانُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ الرُّجُوعُ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا إذَا رَجَعَا قَالَ وَفِي الْمَطْلَبِ أَنَّ الْأَصْحَابَ وَجَّهُوا الْقَوْلَ بِوُجُوبِ الْغُرْمِ عَلَى الْقَاضِي وَالشُّهُودِ عِنْدَ رُجُوعِهِمْ بِأَنَّهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْقَاتِلِينَ وَذَلِكَ يَقْتَضِي عِنْدَ الِانْفِرَادِ الْقَطْعَ بِإِيجَابِ الْجَمِيعِ لِأَنَّ أَحَدَ الْقَاتِلَيْنِ لَوْ انْفَرَدَ لَغَرِمَ الْجَمِيعُ وَفَارَقَ رُجُوعَ أَحَدِ الشُّهُودِ فَإِنَّهُمْ بِجُمْلَتِهِمْ كَالْقَاتِلِ الْوَاحِدِ إذْ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمْ بِالْقَتْلِ وَهَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّا إذَا نَزَّلْنَاهُمَا مَنْزِلَةَ الْقَاتِلِينَ فَكَانَ يَنْبَغِي تَوْزِيعُ الدِّيَةِ فِي حَالَةِ الِانْفِرَادِ وَحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ وَأَمَّا فَرْضُ انْفِرَادِ أَحَدِ الْقَاتِلِينَ فَإِنَّهُ لَا يَأْتِي هُنَا لِأَنَّ الْوَاقِعَ أَنَّ الْقَتْلَ وُجِدَ مِنْ الْكُلِّ فَلَا يُفْرَضُ خِلَافُهُ اهـ.

وَقَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ يَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ الرَّافِعِيُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الشُّهُودِ إذَا انْفَرَدُوا بِالرُّجُوعِ سِوَى النِّصْفِ بَلْ لَا يُطَالَبُونَ بِشَيْءٍ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكُلَّ إذَا رَجَعُوا يَخْتَصُّ الْغُرْمُ بِالْوَلِيِّ وَأَنْ لَا يُطَالِبَ الْقَاضِي بِشَيْءٍ عِنْدَ انْفِرَادِهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النِّصَابَ إذَا بَقِيَ بَعْدَ الرُّجُوعِ لَا يَغْرَمُ الرَّاجِعُ شَيْئًا بَلْ الْوَاجِبُ أَنَّهُمْ كَالشَّرِيكَيْنِ وَلَوْ انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا اخْتَصَّ بِالْغُرْمِ وَلَا كَذَلِكَ الشُّهُودُ فَإِنَّهُمْ كَالْقَاتِلِ الْوَاحِدِ (قَوْلُهُ وَإِنْ رَجَعَ الْوَلِيُّ لِلدَّمِ وَلَوْ مَعَهُمْ فَعَلَيْهِ دُونَهُمْ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ مَحِلُّهُ فِي غَيْرِ قَطْعِ الطَّرِيقِ أَمَّا فِيهِ فَلَا أَثَرَ لِرُجُوعِ الْوَلِيِّ وَحْدَهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى طَلَبِهِ وَلَا يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ وَصَدَّرَ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ الْمَسْأَلَةَ بِمَا إذَا بَاشَرَ الْوَلِيُّ الْقَتْلَ وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ أَنَابَ فِيهِ غَيْرَهُ لَا يَكُونُ الْحُكْمُ كَذَلِكَ قَالَ فِي الْمَطْلَبِ وَحِينَئِذٍ فَالظَّاهِرُ تَخْرِيجُهُ عَلَى الْإِكْرَاهِ الْعَادِي كَتَقْدِيمِهِ الطَّعَامَ فَإِنْ قُلْنَا إنَّهُ إكْرَاهٌ كَانَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا وَإِلَّا فَقَدْ شَابَهَ حَالُهُ مَعَ الشُّهُودِ مَعَ الْقَاضِي إذَا رَجَعُوا دُونَ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْقَتْلَ مُسْتَنِدٌ لِقَوْلِ الْجَمِيعِ مَعَ أَنَّهُ لَا إكْرَاهَ فِيهِ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِإِيجَابِهِ الْقِصَاصَ عَلَى الْجَمِيعِ. اهـ. تَصْوِيرُ الْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ لِلْمَسْأَلَةِ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ (قَوْلُهُ أَوْ رَجَعَ الْمُزَكِّي لِلشُّهُودِ إلَخْ) وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ بِالْقَتْلِ.

(تَنْبِيهٌ) لَوْ رَوَى خَبَرًا فِي وَاقِعَةِ قِصَاصٍ لَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ فَاقْتَصَّ ثُمَّ رَجَعَ وَقَالَ تَعَمَّدْت فَعَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ فِي آخِرِ الْأَقْضِيَةِ الْمَنْعُ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ لَا تَخْتَصُّ بِالْوَاقِعَةِ وَفِي فَتَاوَى الْبَغَوِيّ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الْقَوَدُ كَالشَّاهِدِ إذَا رَجَعَ وَقَوْلُهُ فَعَنْ الْقَفَّالِ وَغَيْرِهِ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>