للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْبَرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَلَاثَ دَرَجٍ» غَيْرِ الدَّرَجَةِ الَّتِي تُسَمَّى الْمُسْتَرَاحَ وَكَانَ يَقِفُ عَلَى الثَّالِثَةِ فَيَنْدُبُ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا سَيَأْتِي أَنَّهُ يَقِفُ عَلَى الدَّرَجَةِ الَّتِي تَلِي الْمُسْتَرَاحَ نَعَمْ إنْ طَالَ الْمِنْبَرُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ فَعَلَى السَّابِعَةِ أَيْ؛ لِأَنَّ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ زَادَ فِي زَمَنِ مُعَاوِيَةَ عَلَى الْمِنْبَرِ الْأَوَّلِ سِتَّ دُرَجٍ فَصَارَ عَدَدُ دَرَجِهِ تِسْعَةً فَكَانَ الْخُلَفَاءُ يَقِفُونَ عَلَى الدَّرَجَةِ السَّابِعَةِ، وَهِيَ الْأُولَى مِنْ الْأَوَّلِ قَالَ الصَّيْمَرِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْمِنْبَرِ وَالْقِبْلَةِ قَدْرُ ذِرَاعٍ أَوْ ذِرَاعَيْنِ (وَيُكْرَهُ) مِنْبَرٌ (كَبِيرٌ يُضَيِّقُ) عَلَى الْمُصَلِّينَ

(وَ) يُسْتَحَبُّ (لِلْخَطِيبِ أَنْ يُسَلِّمَ عِنْدَ وُصُولِهِ الْمِنْبَرَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَلِمُفَارَقَتِهِ إيَّاهُمْ وَعِنْدَ دُخُولِهِ الْمَسْجِدَ عَلَى الْحَاضِرِينَ لِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ (وَ) يُسْتَحَبُّ لَهُ (بَعْدَ وُصُولِهِ الدَّرَجَةَ) الَّتِي (تَحْتَ الْمُسْتَرَاحِ) أَنْ (يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ) بِوَجْهِهِ (وَيُسَلِّمَ) عَلَيْهِمْ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ فِي أَحْكَامِهِ وَلِإِقْبَالِهِ عَلَيْهِمْ (ثُمَّ يَجْلِسَ) عَلَى الْمُسْتَرَاحِ لِيَسْتَرِيحَ مِنْ تَعَبِ الصُّعُودِ (حَتَّى يَفْرُغَ الْمُؤَذِّنُ) بَيْنَ يَدَيْهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي الْبُخَارِيِّ كَانَ الْأَذَانُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ حِينَ يَجْلِسُ الْإِمَامُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمَّا كَثُرَ النَّاسُ فِي عَهْدِ عُثْمَانَ أَمَرَهُمْ بِأَذَانٍ آخَرَ عَلَى الزَّوْرَاءِ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا وَقَالَ عَطَاءٌ إنَّمَا أَحْدَثَهُ مُعَاوِيَةُ قَالَ فِي الْأُمِّ وَأَيُّهُمَا كَانَ فَالْأَمْرُ الَّذِي كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَبُّ إلَيَّ وَعَلَيْهِ يُحْتَمَلُ أَنْ تُصَلَّى سُنَّةُ الْجُمُعَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ وَأَنْ تُصَلَّى قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ (وَنُدِبَ اتِّخَاذُهُ) أَيْ الْمُؤَذِّنِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَيْهِ وَعَلَى كَرَاهَةِ التَّأْذِينِ جَمَاعَةٌ

(وَ) نُدِبَ أَنْ (يَخْطُبَ خُطْبَةً بَلِيغَةً) لَا مُبْتَذَلَةً رَكِيكَةً؛ لِأَنَّهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي الْقُلُوبِ (قَرِيبَةً مِنْ الْأَفْهَامِ) لَا غَرِيبَةً وَحْشِيَّةً إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِهَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَقَالَ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (مُتَوَسِّطَةً) بَيْنَ الطَّوِيلَةِ وَالْقَصِيرَةِ لِخَبَرِ مُسْلِمٍ «كَانَتْ صَلَاةُ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَصْدًا وَخُطْبَتُهُ قَصْدًا» وَلَا يُعَارِضُهُ خَبَرُهُ أَيْضًا طُولُ صَلَاةِ الرَّجُلِ وَقَصْرُ خُطْبَتِهِ مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ أَيْ عَلَامَةً عَلَيْهِ فَأَطِيلُوا الصَّلَاةَ وَاقْصَرُوا الْخُطْبَةَ؛ لِأَنَّ الْقَصْرَ وَالطُّولَ مِنْ الْأُمُورِ النِّسْبِيَّةِ فَالْمُرَادُ بِإِقْصَارِ الْخُطْبَةِ إقْصَارُهَا عَنْ الصَّلَاةِ وَبِإِطَالَةِ الصَّلَاةِ إطَالَتُهَا عَلَى الْخُطْبَةِ وَبِهَذَا انْدَفَعَ مَا قِيلَ أَنَّ إقْصَارَ الْخُطْبَةِ يُشْكَلُ بِقَوْلِهِمْ يُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى قِ (مُقْبِلًا عَلَى النَّاسِ) بِوَجْهِهِ فِي خُطْبَتِهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الضِّيَاءُ الْمَقْدِسِيَّ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَإِنْ تَقَدَّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِقْبَالِهِمْ لَهَا قَبُحَ ذَلِكَ وَخَرَجَ عَنْ عُرْفِ الْمُخَاطَبَاتِ، وَإِنْ تَأَخَّرَ عَنْهُمْ مَعَ اسْتِدْبَارِهِمْ لَهَا لَزِمَ اسْتِدْبَارُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ لَهَا وَاسْتِدْبَارُ وَاحِدٍ أَهْوَنُ مِنْ ذَلِكَ وَيُنْدَبُ رَفْعُ صَوْتِهِ زِيَادَةً عَلَى الْوَاجِبِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِعْلَامِ (وَلَا يُلْتَفَتُ) فِي شَيْءٍ مِنْهَا بَلْ يَسْتَمِرُّ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمْ إلَى فَرَاغِهَا (وَلَا يَعْبَثُ) بَلْ يَخْشَعُ كَمَا فِي الصَّلَاةِ (وَلَا يُشِيرُ بِيَدِهِ) هَذَا زَادَهُ هُنَا مَعَ أَنَّهُ سَيَأْتِي بِزِيَادَةٍ (فَلَوْ اسْتَقْبَلَ) هُوَ (أَوْ اسْتَدْبَرُوا) أَيْ الْحَاضِرُونَ الْقِبْلَةَ (أَجْزَأَ) كَمَا فِي الْأَذَانِ (وَكُرِهَ) مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ

(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُهُ بَيْنَهُمَا) أَيْ الْخُطْبَتَيْنِ (قَدْرَ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ) تَقْرِيبًا لِاتِّبَاعِ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَخُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَيَقْرَأُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ

(وَ) يُسْتَحَبُّ (أَنْ يَعْتَمِدَ سَيْفًا أَوْ عَصًا) أَوْ قَوْسًا أَوْ نَحْوَهَا (بِيَدِهِ الْيُسْرَى) لِخَبَرِ أَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَامَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مُتَوَكِّئًا عَلَى قَوْسٍ أَوْ عَصًا» وَحِكْمَتُهُ الْإِشَارَةُ إلَى أَنَّ هَذَا الدِّينَ قَامَ بِالسِّلَاحِ وَلِهَذَا قَبَضَهُ بِالْيُسْرَى كَعَادَةِ مَنْ يُرِيدُ الْجِهَادَ بِهِ (وَيَشْغَلُ الْأُخْرَى) أَيْ الْيُمْنَى (بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ) شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (سَكَنَ يَدَيْهِ خَاشِعًا) بِأَنْ يَجْعَلَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى أَوْ يُرْسِلُهُمَا وَالْغَرَضُ أَنْ يَخْشَعَ وَلَا يَعْبَثَ بِهِمَا كَمَا مَرَّ فَلَوْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَشْغَلَ الْيُمْنَى بِحَرْفِ الْمِنْبَرِ وَيُرْسِلَ الْأُخْرَى لَمْ يَبْعُدْ (وَيُكْرَهُ لَهُ وَلَهُمْ الشُّرْبُ) لِئَلَّا يَشْتَغِلَ فِكْرُهُمْ عَمَّا هُمْ فِيهِ (إلَّا لِشِدَّةِ عَطَشٍ) فَلَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَالتَّقْيِيدُ بِالشِّدَّةِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَهُوَ الْأَوْجَهُ (وَبَعْدَ الْفَرَاغِ) مِنْ الْخُطْبَةِ (يَأْخُذُ فِي النُّزُولِ وَالْمُؤَذِّنُ فِي الْإِقَامَةِ وَيُبَادِرُ لِيَبْلُغَ الْمِحْرَابَ مَعَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْإِقَامَةِ فَيَشْرَعَ فِي الصَّلَاةِ كُلُّ ذَلِكَ مُسْتَحَبٌّ مُبَالَغَةً فِي تَحْقِيقِ الْمُوَالَاةِ وَتَخْفِيفًا عَلَى الْحَاضِرِينَ (وَيُكْرَهُ) فِي الْخُطْبَةِ (مَا ابْتَدَعَهُ الْخُطَبَاءُ) الْجَهَلَةُ (مِنْ الْإِشَارَةِ بِالْيَدِ) أَوْ غَيْرِهَا (وَ) مِنْ (الِالْتِفَاتِ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ وَ) مِنْ (دَقِّ الدَّرَجِ فِي صُعُودِهِ) الْمِنْبَرَ بِسَيْفٍ أَوْ بِرِجْلِهِ أَوْ نَحْوِهِمَا (وَالدُّعَاءِ) إذَا انْتَهَى صُعُودُهُ (قَبْلَ الْجُلُوسِ لِلْأَذَانِ) وَرُبَّمَا تَوَهَّمُوا أَنَّهَا سَاعَةُ الْإِجَابَةِ، وَهُوَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ أَنْ يُقْبِلَ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ) وَيُلْتَفَتُ عَلَى يَمِينِهِ (قَوْلُهُ وَأَنْ تُصَلِّيَ قَبْلَ الْأَذَانِ بَعْدَ الزَّوَالِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

(قَوْلُهُ مُتَوَسِّطَةٌ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَحَسَنٌ أَنْ يَخْتَلِفَ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَأَزْمَانِ الْأَسْبَابِ وَقَدْ يَقْتَضِي الْحَالُ الْإِسْهَابَ كَالْحَثِّ عَلَى الْجِهَادِ إذَا طَرَقَ الْعَدُوُّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى الْبِلَادَ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ الْخُمُورِ وَالْفَوَاحِشِ وَالزِّنَا وَالظُّلْمِ إذَا تَتَابَعَ النَّاسُ فِيهَا وَحَسُنَ قَوْلُ الْمَاوَرْدِيِّ وَيَقْصِدُ إيرَادَ الْمَعْنَى الصَّحِيحِ وَاخْتِيَارَ اللَّفْظِ الْفَصِيحِ وَلَا يُطِيلُ إطَالَةً تُمِلُّ وَلَا يُقَصِّرُ تَقْصِيرًا يُخِلُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>