للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَلَامُهُمْ، وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ فِي الْمَرْأَةِ بِسِتْرِ بَدَنِهَا إلَّا وَجْهَهَا وَكَفَّيْهَا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً لِزَوَالِ الرِّقِّ بِالْمَوْتِ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ وَلَا يُنَافِيهِ جَوَازُ تَغْسِيلِ السَّيِّدِ لَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لِكَوْنِهَا بَاقِيَةً فِي مِلْكِهِ بَلْ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ الْمِلْكِ كَمَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ تَغْسِيلُ زَوْجَتِهِ مَعَ أَنَّ مِلْكَهُ زَالَ عَنْهَا وَلَا يُشْكِلُ عَلَى الْقَوْلِ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ قَوْلُ الْمُزَنِيّ فِي نِهَايَةِ الِاخْتِصَارِ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ وَأَقَلُّ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْكَفَنِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ مَا يُوَارِي مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَنَّ وُجُوبَ مَا زَادَ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ عِنْدَ وُجُودِهِ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فِي التَّكْفِينِ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى هَذَا جَمِيعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي بَيَانِ أَقَلِّ الْكَفَنِ إذَا غَطَّى مِنْ الْمَيِّتِ عَوْرَتَهُ فَقَدْ أَسْقَطَ الْفَرْضَ لَكِنَّهُ أَخَلَّ بِحَقِّهِ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ بِمَا فِي النَّفَقَاتِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الِاقْتِصَارُ فِي كِسْوَةِ الْعَبْدِ عَلَى سَاتِرِ الْعَوْرَةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَأَذَّ بِحَرٍّ أَوْ بَرْدٍ؛ لِأَنَّهُ تَحْقِيرٌ وَإِذْلَالٌ فَامْتِنَاعُهُ فِي الْمَيِّتِ الْحُرِّ أَوْلَى وَيُجَابُ بِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ إذْ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي تِلْكَ لَيْسَ لِكَوْنِ سَتْرِ مَا زَادَ عَلَى سَتْرِ الْعَوْرَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بَلْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْعَبْدِ حَتَّى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ ذَلِكَ كَنَظِيرِهِ هُنَا.

وَحَاصِلُ مَا هُنَا أَنَّهُ إذَا خَلَّفَ مَالًا وَسُتِرَتْ عَوْرَتُهُ وَلَمْ يُوصِ بِتَرْكِ الزَّائِدِ سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْأَمَةِ وَبَقِيَ حَرَجُ تَرْكِ الزَّائِدِ عَلَى الْوَرَثَةِ (ثُمَّ) إذَا كُفِّنَ فِيمَا لَا يَعُمُّ الرَّأْسَ وَالرِّجْلَ كَانَ (الرَّأْسُ أَوْلَى) بِالسِّتْرِ (مِنْ الرِّجْلِ) لِخَبَرِ مُصْعَبٍ السَّابِقِ (وَأَكْمَلُهُ) أَيْ الْكَفَنِ (ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ لِلذَّكَرِ) ؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كُفِّنَ فِيهَا كَمَا مَرَّ، وَأَمَّا تَكْفِينُ الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ فِي ثَوْبَيْنِ؛ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمَا قَالَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (وَ) أَكْمَلُهُ (خَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ) مُبَالَغَةً فِي سَتْرِهَا وَقَدْ «أَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَاسِلَاتِ ابْنَتِهِ فِي تَكْفِينِهَا الْحِقَاءَ أَيْ الْإِزَارَ ثُمَّ الدِّرْعَ أَيْ الْقَمِيصَ ثُمَّ الْخِمَارَ ثُمَّ الْمِلْحَفَةَ ثُمَّ أُدْرِجَتْ فِي الثَّوْبِ الْآخَرِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ (وَالْخُنْثَى) كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا لِلسِّتْرِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ: وَفِيهِ نَظَرٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَالزِّيَادَةُ عَلَى الثَّلَاثَةِ فِي حَقِّهِ خِلَافُ الْأَكْمَلِ وَيُرَدُّ بِأَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ خِلَافَ الْأَوْلَى فِي حَقِّ مَنْ تَحَقَّقَتْ رُجُولِيَّتُهُ (فَإِنْ امْتَنَعَ الْغُرَمَاءُ) وَدُيُونُهُمْ مُسْتَغْرِقَةٌ لِلتَّرِكَةِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ (أَوْ أَوْصَى) الْمَيِّتُ (بِثَوْبٍ) وَاحِدٍ (فَثَوْبٌ) وَاحِدٌ يُكَفَّنُ فِيهِ.

أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِحُصُولِ سِتْرِهِ، وَهُوَ إلَى بَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ أَحْوَجُ مِنْهُ إلَى التَّجَمُّلِ بِخِلَافِ الْحَيِّ الْمُفْلِسِ تُتْرَكُ لَهُ ثِيَابُ تَجَمُّلِهِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّجَمُّلِ، وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ؛ فَلِأَنَّ الزَّائِدَ حَقٌّ لَهُ بِمَثَابَةِ مَا يُجَمِّلُ الْحَيَّ فَلَهُ مَنْعُهُ أَمَّا الثَّوْبُ الْوَاجِبُ فَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا قَالَهُ الْإِمَامُ وَالْغَزَالِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ يَصِحَّ وَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِسَاتِرِ كُلِّ بَدَنِهِ مُفَرَّعٌ عَلَى إيجَابِ سِتْرِ كُلِّ الْبَدَنِ وَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْمَاوَرْدِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاتِّفَاقِ عَلَى سَاتِرِ كُلِّ بَدَنِهِ فِيمَا لَوْ قَالَ الْوَرَثَةُ يُكَفَّنُ بِهِ وَالْغُرَمَاءُ بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِ وَاجِبًا فِي التَّكْفِينِ بَلْ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ يَتَقَدَّمُ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ وَلَمْ يُسْقِطْهُ عَلَى أَنَّ هَذَا الِاتِّفَاقَ لَا يَسْلَمُ مِنْ نِزَاعٍ كَمَا قَالَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ وَبِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَهُوَ مَعَ حَمْلِهِ عَلَى مَا قُلْنَا مُسْتَثْنًى لِتَأَكُّدِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

إطْلَاقُهُمْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.

(قَوْلُهُ كَمَا ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ) وَمِمَّنْ اسْتَثْنَى الْوَجْهَ وَالْكَفَّيْنِ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ لَكِنَّهُ فَرَضَهُ فِي الْحُرَّةِ وَوُجُوبُ سَتْرِهِمَا فِي الْحَيَاةِ لَيْسَ لِكَوْنِهِمَا عَوْرَةً بَلْ لِكَوْنِ النَّظَرِ إلَيْهِمَا يُوقِعُ فِي الْفِتْنَةِ غَالِبًا س (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِهِ أَنَّ وُجُوبَ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ حَقًّا لِلْمَيِّتِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَاسْتَشْكَلَ الْإِسْنَوِيُّ ذَلِكَ بِمَا فِي النَّفَقَاتِ إلَخْ) وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ لَا أَوْلَوِيَّةَ بَلْ تَسَاوِي إذْ لِلْغُرَمَاءِ مَنْعُ الزِّيَادَةِ عَلَى الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْحَيُّ الْمُفْلِسُ يَبْقَى لَهُ مَا يَجْعَلُهُ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّجَمُّلِ لِلصَّلَاةِ وَبَيْنَ النَّاسِ؛ وَلِأَنَّ الْمَيِّتَ يُسْتَرُ بِالتُّرَابِ عَاجِلًا بِخِلَافِ الْعَبْدِ س (قَوْلُهُ حَتَّى إذَا أَسْقَطَهُ جَازَ كَنَظِيرِهِ هُنَا) مَا أَفْهَمهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى فِي تَكْفِينِهِ بِسَاتِرِ عَوْرَتِهِ فَقَطْ عُمِلَ بِوَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذْ هُوَ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ بِمَوْتِهِ.

قَالَ شَيْخُنَا: لَا يُشْكِلُ هَذَا الْكَلَامُ بِمَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِإِسْقَاطِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عُمِلَ بِهِ مَعَ أَنَّهُ حَقُّهُ وَفِيهِ إسْقَاطٌ لِلشَّيْءِ قَبْلَ ثُبُوتِهِ كَمَا هُنَا؛ لِأَنَّهُ انْضَمَّ إلَى مَا ذَكَرَ هُنَا مُشَارَكَةُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى حَقَّ الْآدَمِيِّ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَلَا كَذَلِكَ مَا زَادَ عَلَيْهِ إذْ هُوَ مَحْضُ حَقِّهِ (قَوْلُهُ وَأَكْمَلُهُ خَمْسَةٌ لِلْمَرْأَةِ) أَمَّا لِلرَّجُلِ جُلٍّ فَجَائِزَةٌ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا خَفَاءَ أَنَّ مَوْضِعَ جَوَازِ الْخَمْسَةِ مِنْ التَّرِكَةِ إذَا كَانَ الْوَرَثَةُ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَرَضُوا أَمَّا لَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ بِسَفَهٍ أَوْ غَائِبًا أَوْ كَانَ الْوَارِثُ بَيْتَ الْمَالِ فَلَا وَكَلَامُ الْمُصَنِّفِ يُشْعِرُ بِعَدَمِ جَوَازِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْخَمْسَةِ وَاَلَّذِي أَطْلَقُوهُ الْكَرَاهَةُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: وَلَا يَبْعُدُ التَّحْرِيمُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: بَلْ هُوَ الْأَصَحُّ الْمُخْتَارُ وَعِبَارَةُ جَمَاعَةٍ وَالزِّيَادَةُ عَلَى الْخَمْسِ مَمْنُوعَةٌ وَمِنْ هَؤُلَاءِ الْجُرْجَانِيُّ وَالْغَزَالِيُّ وَعِبَارَةُ الْبَسِيطِ وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا فِي حَقِّ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ سَرَفٌ مَحْذُورٌ إلَخْ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ يُونُسَ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ بِالْحُرْمَةِ وَقَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ: الْمَشْهُورُ الْكَرَاهَةُ.

وَقَوْلُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: لَا خَفَاءَ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ وَاَلَّذِي أَطْلَقُوهُ الْكَرَاهَةُ (قَوْلُهُ فُلَانٌ الزَّائِدُ حَقٌّ لَهُ إلَخْ) وَيُقْتَصَرُ أَيْضًا عَلَى ثَوْبٍ وَاحِدٍ إذَا كَفَّنَّهُ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ أَوْ كُفِّنَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ يَجِبُ لِفَقْدِ التَّرِكَةِ، وَمَنْ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَوْ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ فَقْدِ بَيْتِ الْمَالِ أَوْ مِنْ وَقْفِ الْأَكْفَانِ (قَوْلُهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى بِسَاتِرِ الْعَوْرَةِ لَمْ يَصِحَّ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ مُفَرَّعٌ عَلَى إيجَابِ سَتْرِ كُلِّ الْبَدَنِ) ، وَإِنْ أَبَاهُ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمَجْمُوعِ س أَيْ فَإِنَّهُ نَقَلَهُ عَنْهُمْ وَأَقَرَّهُ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مِنْ التَّفْرِيعِ الْمَذْكُورِ مَمْنُوعٌ فَإِنَّا، وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّ الْوَاجِبَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ فَقَطْ فَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ وَلَا تَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ بِالْمَكْرُوهِ قَالَ شَيْخُنَا: قَدْ يُقَالُ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَصِيَّةُ الْمَرِيضِ بِزَائِدٍ عَلَى ثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ مَعَ صِحَّتِهَا وَيُجَابُ بِأَنَّ الْمَكْرُوهَ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّتِهَا هُوَ الَّذِي لَا تَزُولُ كَرَاهَتُهُ بِحَالٍ كَمَا هُنَا بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الثُّلُثِ، فَإِنَّهُ مَتَى أَجَازَ الْوَارِثَ نَفَذَتْ وَزَالَتْ الْكَرَاهَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>