فَهَلْ تَجِدْ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لَا ثُمَّ جَلَسَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَقٍ فِيهِ تَمْرٌ فَقَالَ تَصَدَّقْ بِهَذَا فَقَالَ عَلَى أَفْقَرَ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَحْوَجُ إلَيْهِ مِنَّا فَضَحِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَأَطْعِمْهُ أَهْلَك» وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ «فَأَعْتِقْ رَقَبَةً فَصُمْ شَهْرَيْنِ فَأَطْعِمْ سِتِّينَ بِالْأَمْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِأَبِي دَاوُد «فَأَتَى بِعَرَقِ تَمْرٍ قَدْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا» قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهِيَ أَصَحُّ مِنْ رِوَايَةٍ فِيهِ عِشْرُونَ صَاعًا وَالْعَرَقُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالرَّاءِ مِكْتَلٌ يُنْسَخُ مِنْ خُوصِ النَّخْلِ
(فَمَنْ أَفْسَدَهُ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ) كَأَكْلٍ وَاسْتِمْنَاءٍ (لَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ) لِوُرُودِ النَّصِّ فِي الْجِمَاعِ وَهُوَ أَغْلَظُ مِنْ غَيْرِهِ وَهَذَا يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ إلَى آخِرِهِ (وَلَا تَلْزَمُ مَنْ جَامَعَ نَاسِيًا) أَوْ جَاهِلًا أَوْ مُكْرَهًا (أَوْ) جِمَاعًا (ثَانِيًا إذْ لَا إفْسَادَ) تَقَدَّمَ إنَّهَا تَلْزَمُ فِيمَا لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَهُوَ مَجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ مَعَ أَنَّهُ لَا إفْسَادَ لِأَنَّهُ فَرْعُ الِانْعِقَادِ وَلَمْ يَنْعَقِدْ كَمَا مَرَّ مَعَ تَوْجِيهِهِ (أَوْ) جَامَعَ (مُسَافِرًا إذْ لَا إثْمَ) هَذَا مَعَ إيهَامِهِ الْقُصُورَ عَلَى الْمُسَافِرِ يُغْنِي عَنْهُ قَوْلُهُ فِيمَا يَأْتِي وَقَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ إلَى آخِرِهِ (وَقَوْلُنَا صَوْمُهُ احْتِرَازًا مِنْ مُسَافِرٍ) أَوْ مَرِيضٍ (أَفْسَدَ صَوْمَ امْرَأَةٍ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تَلْزَمُ بِإِفْسَادِهَا صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي فَبِالْأَوْلَى إفْسَادُ غَيْرِهَا لَهُ (وَقَوْلُنَا فِي يَوْمٍ يَدُلُّ) عَلَى (أَنَّهَا تَجِبُ لِكُلِّ يَوْمٍ) وَإِنْ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْ الْأَوَّلِ إذْ كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ بِرَأْسِهَا وَقَدْ تَكَرَّرَ الْإِفْسَادُ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ تَكَرَّرَ فِي حَجَّتَيْنِ.
(وَقَوْلُنَا مِنْ رَمَضَانَ احْتِرَازًا مِنْ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَغَيْرِهِ) فَلَا كَفَّارَةَ فِي إفْسَادِهَا لِوُرُودِ النَّصِّ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِفَضَائِلَ لَا يُشْرِكُهُ فِيهَا غَيْرُهُ (وَقَوْلُنَا بِجِمَاعٍ احْتِرَازًا مِمَّنْ أَفْطَرَ أَوَّلًا بِغَيْرِهِ ثُمَّ جَامَعَ فَإِنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ) كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ (وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازًا مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّهَا تُفْطِرُ بِدُخُولِ شَيْءٍ) مِنْ الذَّكَرِ فَرْجَهَا وَلَوْ دُونَ الْحَشَفَةِ وَهَذَا الْقَيْدُ تَبِعَ فِيهِ الْمُصَنِّفَ كَأَصْلِهِ الْغَزَالِيُّ وَزَيَّفُوهُ بِخُرُوجِ ذَلِكَ بِالْجِمَاعِ إذْ الْفَسَادُ فِيهِ بِغَيْرِهِ وَبِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فَسَادُ صَوْمِهَا بِالْجِمَاعِ بِأَنْ يُولِجَ فِيهَا نَائِمَةً أَوْ نَاسِيَةً أَوْ مُكْرَهَةً ثُمَّ تَسْتَيْقِظَ أَوْ تَتَذَكَّرَ أَوْ تَقْدِرَ عَلَى الدَّفْعِ وَتَسْتَدِيمَ فَفَسَادُهُ فِيهَا بِالْجِمَاعِ لِأَنَّ اسْتِدَامَةَ الْجِمَاعِ جِمَاعٌ مَعَ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْمَرْ بِهَا فِي الْخَبَرِ إلَّا الرَّجُلُ الْمَوَاقِعُ مَعَ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ وَلِنُقْصَانِ صَوْمِهَا بِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ حَتَّى تَتَعَلَّقَ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَلِأَنَّهَا غُرْمٌ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْجِمَاعِ فَيَخْتَصُّ بِالرَّجُلِ الْوَاطِئِ كَالْمَهْرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ وَلَا عَلَى الرَّجُلِ الْمَوْطُوءِ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ.
(وَ) الْجِمَاعُ (التَّامُّ) يَحْصُلُ (بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ فَإِذَا مَكَّنَتْهُ) مِنْهُ (فَالْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ دُونَهَا) لِذَلِكَ وَالتَّصْرِيحُ بِأَنَّ التَّامَّ بِالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مِنْ زِيَادَتِهِ (قَوْلُنَا أَثِمَ بِهِ احْتِرَازًا مِمَّنْ ظَنَّ غَالِطًا بَقَاءَ اللَّيْلِ) أَوْ دُخُولَهُ عَلَى مَا يَأْتِي (فَجَامَعَ) وَمِنْ جِمَاعِ الصَّبِيِّ وَجِمَاعِ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمْ لِعَدَمِ إثْمِهِمْ (وَمُقْتَضَى الضَّابِطِ) الْمَذْكُورِ (وُجُوبُهَا عَلَى مَنْ شَكَّ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ) فَجَامَعَ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ جَامَعَ نَهَارًا وَهَذَا مِنْ زِيَادَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ الْأَصْلِ فِي مَسْأَلَةِ ظَنِّ الدُّخُولِ السَّابِقَةِ بَعْدَ نَقْلِهَا عَنْ التَّهْذِيبِ وَغَيْرِهِ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ بِالظَّنِّ وَإِلَّا فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَفَاءً بِالضَّابِطِ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي بِعَدَمِ وُجُوبِهَا وَإِنْ قُلْنَا لَا يَجُوزُ الْإِفْطَارُ بِالظَّنِّ بَلْ صَرَّحَ الْبَغَوِيّ بِخِلَافِ الْمُقْتَضَى الْمَذْكُورِ فِي مَسْأَلَةِ الشَّكِّ وَبِالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ شَكِّهِ فِي دُخُولِ اللَّيْلِ وَخُرُوجِهِ وَعَلَّلَ عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِإِنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يُصَرِّحْ فِي التَّهْذِيبِ بِمَسْأَلَةِ الظَّنِّ لَكِنَّهَا مَفْهُومَةٌ بِالْأَوْلَى مِنْ مَسْأَلَةِ الشَّكِّ (وَلَوْ أَكَلَ نَاسِيًا وَظَنَّ أَنَّهُ أَفْطَرَ) بِالْأَكْلِ (فَجَامَعَ أَفْطَرَ) كَمَا لَوْ جَامَعَ ظَانًّا بَقَاءَ اللَّيْلِ فَبَانَ خِلَافُهُ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ جَامَعَ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَهَذَا خَارِجٌ بِقَوْلِهِ لِأَجْلِ الصَّوْمِ إنْ عَلِمَ وُجُوبَ الْإِمْسَاكِ عَنْ الْجِمَاعِ وَإِلَّا فَبِقَوْلِهِ أَثِمَ بِهِ (وَقَوْلُنَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ احْتِرَازًا مِنْ مُسَافِرٍ) أَوْ مَرِيضٍ (زَنَى) أَوْ جَامَعَ حَلِيلَتَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ (فَإِنَّهُ أَثِمَ لِأَجْلِ الزِّنَا) أَوْ لِأَجْلِ الصَّوْمِ مَعَ عَدَمِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ (لَا لِأَجْلِ الصَّوْمِ) وَلِأَنَّ الْإِفْطَارَ مُبَاحٌ فَيَصِيرُ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْكَفَّارَةِ وَحَذَفَ مِنْ أَصْلِهِ قَوْلَهُ بَعْدَ زِنًى مُتَرَخِّصًا لِإِيهَامِهِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْوِ التَّرَخُّصَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ (وَلِلِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهِيمَةِ حُكْمُ الْجِمَاعِ هُنَا) فِيمَا ذُكِرَ مِنْ وُجُوبِ كَفَّارَةِ الصَّوْمِ بِالْإِفْسَادِ لِأَنَّ الْجَمِيعَ وَطْءٌ
(فَرْعٌ مَنْ رَأَى الْهِلَالَ) أَيْ هِلَالَ رَمَضَانَ (وَحْدَهُ صَامَ) وُجُوبًا (وَإِنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ) لِخَبَرِ «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» (فَإِنْ جَامَعَ) فِي صَوْمِهِ بِذَلِكَ (لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ) لِأَنَّهُ هَتْكُ حُرْمَةِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ عِنْدَهُ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يُفْسِدْ صَوْمَهَا وَإِنَّمَا هِيَ الْمُفْسِدَةُ لَهُ بِالتَّمْكِينِ
(قَوْلُهُ وَقَوْلُنَا تَامٌّ احْتِرَازٌ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَخْ) لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ حَقٌّ مَالِيٌّ يَجِبُ بِالْوَطْءِ فَاخْتَصَّ بِالرَّجُلِ كَالْمَهْرِ وَلِأَنَّ صَوْمَهَا نَاقِصٌ لِتَعَرُّضِهِ لِلْبُطْلَانِ بِالْحَيْضِ فَلَمْ تَكْمُلْ حُرْمَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي (قَوْلُهُ كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُفَرَّعًا عَلَى تَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الضَّابِطُ أَظُنُّهُ مِنْ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ فَلَا يَلْزَمُ الْأَصْحَابُ الْوَفَاءَ بِهِ وَالرَّافِعِيُّ أَطْلَقَ أَنَّهُ ظَنَّ غُرُوبَ الشَّمْسِ فَذَكَرَ مَا ذَكَرَ وَالتَّصْوِيرُ كَمَا ذَكَرْنَا وَحِينَئِذٍ لَا قَائِلَ بِتَجْوِيزِ الْإِفْطَارِ اعْتِمَادًا عَلَى ظَنٍّ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ وَإِذَا شَكَّ فِي النَّهَارِ هَلْ نَوَى لَيْلًا أَوْ لَا ثُمَّ جَامَعَ فِي حَالِ الشَّكِّ ثُمَّ تَذَكَّرَ أَنَّهُ نَوَى فَإِنَّهُ يَبْطُلُ صَوْمُهُ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا تَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ قَالَهُ الْغَزِّيّ وَفِيهِ نَظَرٌ وَلَوْ نَوَى صَوْمَ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ثُمَّ أَفْسَدَهُ نَهَارًا بِجِمَاعٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ بَعْدَ الْإِفْسَادِ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ أَثِمَ بِهِ لِأَجَلِ الصَّوْمِ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ عَنْ رَمَضَانَ فَلَوْ عَبَّرَ بِقَوْلِهِ لِفَسَادِ صَوْمٍ عَنْ رَمَضَانَ خَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ لِأَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ لَا عَنْ رَمَضَانَ لَكِنْ لَوْ عَبَّرَ بِذَلِكَ وَرَدَّ عَلَيْهِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ عَنْ رَمَضَانَ وَلَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ.
(قَوْلُهُ لَكِنْ صَرَّحَ الْقَاضِي) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَالْمُتَوَلِّي وَالْبَغَوِيُّ (قَوْلُهُ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute