الْوُجُوبِ الَّذِي الْكَلَامُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ مَعَ الْوَاحِدَةِ لِفَرْضِ الْحَجِّ عَلَى الصَّحِيحِ فِي شَرْحَيْ الْمُهَذَّبِ وَمُسْلِمٍ وَكَذَا وَحْدَهَا إذَا أَمِنَتْ، وَعَلَيْهِ حُمِلَ مَا دَلَّ مِنْ الْأَخْبَارِ عَلَى جَوَازِ السَّفَرِ وَحْدَهَا.
(وَلَوْ سَافَرَتْ لِغَيْرِ فَرْضِ الْحَجِّ) كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ (لَمْ يَجُزْ مَعَ النِّسْوَةِ) لِلْأَخْبَارِ السَّابِقَةِ؛ وَلِأَنَّهُ سَفَرٌ غَيْرُ وَاجِبٍ، وَلَوْ تَرَكَ لَفْظَ الْحَجِّ كَانَ أَوْلَى فَقَدْ حَمَلَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الْأَخْبَارَ السَّابِقَةَ عَلَى الْأَسْفَارِ غَيْرِ الْوَاجِبَةِ قَالَ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ بِبَلَدٍ لَا قَاضِيَ بِهِ، وَادُّعِيَ عَلَيْهَا مِنْ مَسِيرَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهَا الْحُضُورُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ إذَا كَانَ مَعَهَا امْرَأَةٌ وَيَلْزَمُهَا أَيْضًا الْهِجْرَةُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ، وَإِنْ كَانَتْ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّ خَوْفَهَا ثَمَّ أَكْثَرُ مِنْ خَوْفِ الطَّرِيقِ وَبِهِ صَرَّحَ الْأَصْلُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ مِنْ الْمَحْرَمِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَرْأَةِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ نِسْوَةٌ مِنْ مَحَارِمِهِ كَأَخَوَاتِهِ وَعَمَّاتِهِ جَازَ وَإِنْ كُنَّ أَجْنَبِيَّاتٍ فَلَا؛ لِأَنَّهُ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الْخَلْوَةُ بِهِنَّ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَغَيْرُهُ. اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا بِيَسِيرٍ: الْمَشْهُورُ جَوَازُ خَلْوَةِ رَجُلٍ بِنِسْوَةٍ لَا مَحْرَمَ لَهُ فِيهِنَّ لِعَدَمِ الْمَفْسَدَةِ غَالِبًا؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَسْتَحْيِينَ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا فِي ذَلِكَ مُعْتَرِضًا بِهِ قَوْلُ الْإِمَامِ وَغَيْرِهِ بِحُرْمَةِ ذَلِكَ فَاسْتَغْنَى بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ عَنْ مِثْلِهِ فِي الْخُنْثَى الْمُلْحَقِ بِالرَّجُلِ احْتِيَاطًا.
(فَإِنْ كَانَ فِي الطَّرِيقِ رُصَدِي) بِفَتْحِ الرَّاءِ مَعَ فَتْحِ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا، وَهُوَ مَنْ يَرْقُبُ النَّاسَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا عَلَى الْمَرَاصِدِ (لَمْ يَجِبْ) نُسُكٌ (وَإِنْ رَضِيَ بِالْيَسِيرِ) لِمَا مَرَّ، نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعْطِي لَهُ هُوَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ وَجَبَ ذَلِكَ كَمَا نَقَلَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَسَكَتَ عَنْ الْأَجْنَبِيِّ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ لِلْمِنَّةِ وَقَوْلُ ابْنِ الْعِمَادِ بَلْ الْقِيَاسُ الْوُجُوبُ كَمَا يَجُوزُ قَضَاءُ دَيْنِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِهِ لِلْمِنَّةِ إذْ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا إنَّمَا تَكُونُ بِأَخْذِ الْمَالِ وَالْمَدْفُوعُ عَنْهُ هُنَا لَمْ يَأْخُذْ الْمَالَ وَإِنَّمَا سَبِيلُ هَذَا سَبِيلُ دَفْعِ الصَّائِلِ فِيهِ نَظَرٌ (وَيُكْرَهُ إعْطَاؤُهُ) أَيْ الرَّصَدَيْ مَالًا إذْ فِيهِ تَحْرِيضٌ عَلَى الطَّلَبِ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ كَرَاهَةُ الْإِعْطَاءِ لِلرَّصَدِيِّ الْكَافِرِ وَالْمُسْلِمِ، وَلَا يُنَافِيهِ مَا يَأْتِي فِي بَابِ مَوَانِعِ إتْمَامِ الْحَجِّ مِنْ تَخْصِيصِهَا بِالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ ذَاكَ مَحَلُّهُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ فَإِعْطَاءُ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا قَبْلَهُ فَلَمْ تَكُنْ حَاجَةٌ لِارْتِكَابِ الذُّلِّ.
(فَإِنْ خَافُوا) أَيْ مُرِيدُو الْخُرُوجِ لِلنُّسُكِ (قِتَالَ كُفَّارٍ يُطِيقُونَهُمْ اُسْتُحِبَّ) لَهُمْ (الْخُرُوجُ) لِذَلِكَ وَيُقَاتِلُونَهُمْ لِيَنَالُوا ثَوَابَ النُّسُكِ وَالْجِهَادِ (أَوْ) خَافُوا قِتَالَ (مُسْلِمِينَ فَلَا) يُسْتَحَبُّ لَهُمْ ذَلِكَ (وَلَوْ وَجَدُوا خَفِيرًا) أَيْ مُجِيرًا (يَأْمَنُونَ مَعَهُ أَوْ) وَجَدَتْ (الْمَرْأَةُ وَلِيًّا) أَوْ نَحْوَهُ (بِأُجْرَةٍ) أَيْ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ (لَزِمَهُمْ) إخْرَاجُهَا؛ لِأَنَّهَا مِنْ أُهَبِ النُّسُكِ فَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهَا أَنْ طُلِبَتْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْخَفَارَةِ بِتَثْلِيثِ الْخَاءِ هُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخَانِ عَنْ تَصْحِيحِ الْإِمَامِ وَصَحَّحَاهُ، وَمُقَابِلُهُ عَدَمُ لُزُومِ أُجْرَتِهَا؛ لِأَنَّهَا خُسْرَانٌ لِدَفْعِ الظُّلْمِ وَلِأَنَّ مَا يُؤْخَذُ مِنْ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَا زَادَ عَلَى ثَمَنِ الْمِثْلِ وَأُجْرَتُهُ فِي الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ فَلَا يَجِبُ النُّسُكُ مَعَ طَلَبِهَا، وَنَقَلَ هَذَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ جَمَاهِيرِ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْخُرَاسَانِيِّينَ ثُمَّ قَالَ: فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِالْخَفَارَةِ مَا يَأْخُذُهُ الرَّصَدِيُّ فِي الْمَرَاصِدِ وَهَذَا لَا يَجِبُ الْحَجُّ مَعَهُ بِلَا خِلَافٍ فَلَا يَكُونُونَ مُتَعَرِّضِينَ لِمَسْأَلَةِ الْإِمَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ أَرَادُوا الصُّورَتَيْنِ فَيَكُونُ خِلَافَ مَا قَالَهُ لَكِنَّ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ أَصَحُّ وَأَظْهَرُ فِي الدَّلِيلِ فَيَكُونُ الْأَصَحُّ عَلَى الْجُمْلَةِ وُجُوبَ الْحَجِّ وَقَدْ صَحَّحَهُ الرَّافِعِيُّ وَابْنُ الصَّلَاحِ مَعَ اطِّلَاعِهِمَا عَلَى عِبَارَةِ الْأَصْحَابِ الَّتِي ذَكَرْتهَا وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ: ظَاهِرٌ فِي الدَّلِيلِ وَإِنْ أَشْعَرَتْ عِبَارَةُ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ وَقَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْوُجُوبِ فَقَدْ أَجَابَ بِهِ الْعِرَاقِيُّونَ وَالْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ فِي التَّنْبِيهِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي التَّصْحِيحِ وَنَقَلَهُ فِي الْكِفَايَةِ عَنْ النَّصِّ.
(فَرْعٌ وَلَيْسَ غَلَاءُ الْأَسْعَارِ فِي الطَّرِيقِ عُذْرًا) فِي عَدَمِ الْوُجُوبِ (إنْ بَاعُوا بِثَمَنِ الْمِثْلِ اللَّائِقِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ) بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبُوا زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِعِظَمِ الْمُؤْنَةِ
(وَيَجِبُ حَمْلُ الْمَاءِ وَالزَّادِ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
فَيُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْجِهَةَ لَا الْعَدَدَ، ثُمَّ رَدَّ الْجَمْعَ السَّابِقَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ لِكَوْنِهِ صَرَّحَ فِيهِ بِالْوُجُوبِ عَلَيْهَا مَعَ الْوَاحِدَةِ وَبِأَنَّ الْجَوَازَ هُنَا لَازِمٌ لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ الشَّيْءَ إذَا كَانَ مَمْنُوعًا مِنْهُ إذَا جَازَ وَجَبَ، وَجَوَابُ ذَلِكَ أَنَّ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْإِمْلَاءِ وَالْأُمِّ هُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ، وَقَدْ حَكَاهُ الْأَصْلُ وَالْكَلَامُ الْأَخِيرُ لَيْسَ كُلِّيًّا بَلْ أَكْثَرِيٌّ
(قَوْلُهُ كَزِيَارَةٍ وَتِجَارَةٍ) أَيْ وَحَجِّ تَطَوُّعٍ، وَلَوْ تَطَوَّعَتْ بِحَجٍّ وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَلَهَا إتْمَامُهُ (قَوْلُهُ لَزِمَهَا الْحُضُورُ مَعَ غَيْرِ مَحْرَمٍ) قَالَ شَيْخُنَا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِ الرَّوْضَةِ، وَإِلَّا فَظَاهِرُ الْمِنْهَاجِ أَنَّ الْإِحْصَارَ عِنْدَ الِاسْتِعْدَاءِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ فِي مَسَافَةِ الْعَدْوَى فَمَا دُونَهَا، وَهُوَ الْمُرَجَّحُ نَعَمْ يُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ وَمَا هُنَا عَلَى مَا إذَا سَمِعَ الْحُجَّةَ عَلَيْهِ وَثَبَتَ الْحَقُّ ثُمَّ اسْتَعْدَى عَلَيْهِ لِوَفَائِهِ (قَوْلُهُ وَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ يُشْتَرَطُ فِي حَقِّهِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ خَافَ الْأَمْرَدُ الْجَمِيلَ عَلَى نَفْسِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ فِي حَقِّهِ مَنْ يَأْمَنُ مَعَهُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَرِيبٍ وَنَحْوِهِ، وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا وَقَوْلُهُ فَيَنْبَغِي إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ نَعَمْ إنْ كَانَ الْمُعْطَى لَهُ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ عَدَمُ الْوُجُوبِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ كَأَصْلِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ أَوْ وَجَدَتْ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا أَوْ نَحْوَهُ بِأُجْرَةٍ إلَخْ) أُجْرَةُ الزَّوْجِ كَالْمَحْرَمِ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْحَاوِي الصَّغِيرُ وَفِي تَهْذِيبِ ابْنِ النَّقِيبِ وَجَامِعِ الْمُخْتَصَرَاتِ لِلنَّسَائِيِّ أَنَّ النِّسْوَةَ الثِّقَاتِ كَالْمَحْرَمِ فِي الْأُجْرَةِ، وَفِي الْمُهِمَّاتِ أَنَّهُ الْمُتَّجَهُ وَجَرَى عَلَيْهِ الْإِرْشَادُ حَيْثُ أَخَّرَ قَوْلَهُ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ عَنْ ذِكْرِ النِّسْوَةِ خِلَافًا لِأَصْلِهِ وَقَالَ ابْنُ قَاضِي شُهْبَةَ إنَّهُ الْمُتَّجَهُ وَقَوْلُ الزَّرْكَشِيّ الْأَقْرَبُ مَنْعُ لُزُومِهَا لِعِظَمِ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ أُجْرَةِ الْمَحْرَمِ بَعِيدٌ س وَيُسْتَثْنَى مِنْ وُجُوبِ أُجْرَةِ الزَّوْجِ مَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهَا فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيَامُ بِهِ مِنْ غَيْرِ أُجْرَةٍ بَلْ لَوْ مَاتَتْ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ عَنْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ (قَوْلُهُ وَقَالَ السُّبْكِيُّ إنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الدَّلِيلِ إلَخْ) وَكَذَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ.