لِأَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ بَعْضَ الْمَوَاقِيتِ مَقَامَ بَعْضٍ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَمَا ذَكَرَهُ هَؤُلَاءِ مُنَافٍ لِلتَّعْيِينِ الَّذِي نَحْنُ نُفَرِّعُ عَلَيْهِ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَى ذَلِكَ كَلَامًا نَقَلَهُ عَنْ الطَّبَرِيِّ شَارِحِ التَّنْبِيهِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ) شَخْصٌ (الْآفَاقِيَّ) مَنْسُوبٌ إلَى الْآفَاقِ وَهِيَ النَّوَاحِي وَيُقَالُ الْأُفُقِيُّ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالْفَاءِ وَفَتْحِهِمَا، وَهُوَ مَنْ مَسْكَنُهُ فَوْقَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَيْ أَوْ فِيهِ (لِيُحْرِمَ مِنْ مَكَّةَ) أَوْ مِنْ مَكَان أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ (لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ لِحُرْمَةِ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ) بِلَا إحْرَامٍ عَلَى مُرِيدِ النُّسُكِ لَكِنْ لَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ صَحَّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَتَخْصِيصُهُ الْأَجِيرَ بِالْآفَاقِيِّ مِنْ تَصَرُّفِهِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْمَكِّيِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِمِيقَاتِ الْمُسْتَأْجِرِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ آفَاقِيٌّ مَكِّيًّا لِلتَّمَتُّعِ لَزِمَهُ دَمٌ، وَلَا نَظَرَ إلَى كَوْنِ الْآتِي مَكِّيًّا نَقَلَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَنْ الْمُحِبِّ الطَّبَرِيِّ (أَوْ) اسْتَأْجَرَهُ (لِيُحْرِمَ مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ مَاشِيًا فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ) فِي الْأُولَى (أَوْ فِي) ذِي (الْحِجَّةِ) فِي الثَّانِيَةِ (أَوْ رَكِبَ) فِي إحْرَامِهِ مِنْهُ وَالْأَوْلَى أَوْ رَاكِبًا فِي الثَّالِثَةِ (أَوْ) اسْتَأْجَرَهُ لِيَأْتِيَ عَنْهُ بِنُسُكٍ فَأَتَى بِهِ لَكِنْ (تَرَكَ مَأْمُورًا يُوجِبُ دَمًا) كَتَرْكِ الرَّمْيِ أَوْ الْمَبِيتِ أَوْ طَوَافِ الْوَدَاعِ (لَزِمَهُ دَمٌ وَحَطُّ التَّفَاوُتِ) لِتَرْكِهِ مَا أُمِرَ بِهِ وَمَا ذَكَرَهُ كَأَصْلِهِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَشْيِ صَحَّحَ فِي الْمَجْمُوعِ خِلَافَهُ، وَلَوْ تَرَكَ مَأْمُورًا لَا يُوجِبُ دَمًا كَطَوَافِ الْقُدُومِ حُطَّ بِقِسْطِهِ مِنْ الْأُجْرَةِ نَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَالْحِجَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ أَفْصَحُ مِنْ فَتْحِهَا (وَلَا يَحُطُّ) الْأَجِيرُ تَفَاوُتًا (إنْ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا) كَلُبُسٍ وَقَلْمٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا مِنْ الْعَمَلِ قَالَ الدَّارِمِيُّ فَلَوْ قَالَ لَهُ: حُجَّ عَنِّي وَتَطَيَّبْ وَالْبَسْ فَفَعَلَ فَالدَّمُ عَلَى الْأَجِيرِ، وَإِنْ شَرَطَهُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ، وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الْإِجَارَةُ، وَقِيَاسُ مَا مَرَّ أَنَّهُ إنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِيهَا فَسَدَتْ وَيُحْتَمَلُ خِلَافُهُ.
(فَرْعٌ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ) فَامْتَثَلَ (فَالدَّمُ الْوَاجِبُ بِهِ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) كَمَا لَوْ حَجَّ بِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي شَرَطَ الْقِرَانَ (فَلَوْ شَرَطَهُ عَلَى الْأَجِيرِ بَطَلَتْ) أَيْ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إجَارَةٍ وَبَيْعِ مَجْهُولٍ؛ لِأَنَّ الدَّمَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ (وَلَوْ كَانَ الْمُسْتَأْجِرُ) لِلْقِرَانِ (مُعْسِرًا فَالصَّوْمُ) الَّذِي هُوَ بَدَلُ الدَّمِ (عَلَى الْأَجِيرِ) ؛ لِأَنَّ بَعْضَهُ، وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ فِي الْحَجِّ وَاَلَّذِي فِي الْحَجِّ مِنْهُمَا هُوَ الْأَجِيرُ قَالَ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ وَفِي التَّتِمَّةِ هُوَ كَالْعَاجِزِ عَنْ الصَّوْمِ وَالْهَدْيِ أَيْ فَيَبْقَى الْوَاجِبُ فِي ذِمَّتِهِ (وَلَا يُحَطُّ شَيْءٌ) مِنْ الْأُجْرَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْقُصْ شَيْئًا مِنْ عَمَلِهِ (فَإِنْ خَالَفَ) مَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِرَانِ (فَأَفْرَدَ وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ) إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْعَمَلِ فِيهَا عَنْ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيُحَطُّ مَا يَخُصُّ الْعُمْرَةَ مِنْ الْأُجْرَةِ (أَوْ) وَهِيَ (إجَارَةُ ذِمَّةٍ فَلَا) تُفْسَخُ فِي شَيْءٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ زَادَ خَيْرٍ أَوَّلًا عَلَى مُسْتَأْجِرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْرِنْ (لَكِنْ إنْ لَمْ يَعُدْ لِلْعُمْرَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لِزْمَةُ دَمٌ وَالْحَطُّ كَمَا سَبَقَ وَإِنْ تَمَتَّعَ) بَدَلَ الْقِرَانِ (وَهِيَ إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَ) الْعَقْدُ (فِي الْحَجِّ) لِوُقُوعِهِ فِي غَيْرِ الْوَقْتِ الْمُعَيَّنِ فَيُحَطُّ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْأُجْرَةِ (وَلَوْ كَانَتْ فِي الذِّمَّةِ، وَلَمْ يَعُدْ) لِلْحَجِّ (إلَى الْمِيقَاتِ فَالدَّمُ) الْوَاجِبُ بِتَرْكِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ مِنْ الْمِيقَاتِ (وَالْحَطُّ كَمَا سَبَقَ) فَيَجِبَانِ عَلَيْهِ وَأَمَّا دَمُ التَّمَتُّعِ فَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ لِتَضَمُّنِ أَمْرِهِ بِالْقِرَانِ الدَّمَ، نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ، ثُمَّ قَالَ: وَاسْتَبْعَدَهُ ابْنُ الصَّبَّاغِ وَغَيْرُهُ انْتَهَى. وَيُجَابُ عَنْ الِاسْتِبْعَادِ بِأَنَّ سَبَبَ وُجُوبِ الدَّمِ الثَّانِي غَيْرُ سَبَبِ وُجُوبِ الْأَوَّلِ كَمَا عَرَفْت أَمَّا إذَا أَعَادَ فَلَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَمَا ذَكَرَهُ فِي إجَارَةِ الْعَيْنِ مِنْ انْفِسَاخِهَا فِي الْحَجِّ هُوَ مَا نَقَلَهُ الْأَصْلُ عَنْ إشَارَةِ الْمُتَوَلِّي وَقَالَ: إنَّهُ قِيَاسُ مَا تَقَدَّمَ وَمَنَعَ الزَّرْكَشِيُّ الْقِيَاسَ وَفَرَّقَ بِأَنَّهُ لَمَّا أَفْرَدَ انْقَضَى وَقْتُ الْعُمْرَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَمَتَّعَ فَإِنَّ وَقْتَ الْحَجِّ بَاقٍ وَإِنَّمَا مَضَى بَعْضُهُ وَسَبَقَهُ إلَى نَحْوِ ذَلِكَ الْأَذْرَعِيُّ وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ كَجٍّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَالرُّويَانِيِّ عَدَمُ الِانْفِسَاخِ بِهِ وَأَنَّهُ زَادَ خَيْرًا؛ لِأَنَّهُ أَفْرَدَ الْعَمَلَيْنِ، لَكِنْ عَلَيْهِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ دَمُ التَّمَتُّعِ بَدَلَ دَمِ الْقِرَانِ كَمَا لَوْ قَرَنَ، قَالَ: وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ.
(فَرْعٌ لَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلتَّمَتُّعِ) فَامْتَثَلَ (فَالدَّمُ) الْوَاجِبُ بِالتَّمَتُّعِ (عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) لِمَا مَرَّ فِي اسْتِئْجَارِهِ لِلْقِرَانِ وَيَأْتِي فِيهِ مَا مَرَّ ثَمَّ (وَإِنْ أَفْرَدَ) بَدَلَ التَّمَتُّعِ (وَهِيَ) أَيْ الْإِجَارَةُ (إجَارَةُ عَيْنٍ انْفَسَخَتْ فِي الْعُمْرَةِ) لِفَوَاتِ وَقْتِهِمَا الْمُعَيَّنِ (أَوْ) وَهِيَ إجَارَةُ (ذِمَّةٍ فَكَمَا سَبَقَ) أَيْ فَلَا تَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ، لَكِنْ إنْ لَمْ يَعُدْ لِلْعُمْرَةِ إلَى الْمِيقَاتِ لَزِمَهُ الدَّمُ وَالْحَطُّ (وَإِنْ قَرَنَ وَعَدَّدَ أَفْعَالَ النُّسُكَيْنِ فَقَدْ زَادَ خَيْرًا) ؛ لِأَنَّهُ أَحْرَمَ بِالنُّسُكَيْنِ مِنْ الْمِيقَاتِ وَكَانَ مَأْمُورًا بِأَنْ يُحْرِمَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ وَإِنْ اسْتَأْجَرَ شَخْصٌ الْآفَاقِيَّ إلَخْ) لَوْ اسْتَأْجَرَهُ الْوَلِيُّ لِيُحْرِمَ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ فَسَدَتْ الْإِجَارَةُ فَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ وَقَعَ لَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ وَالدَّمُ عَلَى الْوَلِيِّ أَوْ لِيُحْرِمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ أَوْ مِنْ شَوَّالٍ فَأَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَبَعْدَ شَوَّالٍ لَزِمَهُ الدَّمُ وَالْحَطُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute