للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (فَإِنْ عَكَسَ) بِأَنْ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَمَشَى أَمَامَهُ (لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا لَوْ اسْتَقْبَلَهُ) أَوْ اسْتَدْبَرَهُ (وَطَافَ مُعْتَرِضًا أَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ وَمَشَى الْقَهْقَرَى) لِمُنَابَذَتِهِ لِمَا وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ.

الْوَاجِبُ (الثَّالِثُ خُرُوجُ جَمِيعِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَيْتِ) قَالَ تَعَالَى {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: ٢٩] وَإِنَّمَا يَكُونُ طَائِفًا بِهِ إذَا كَانَ خَارِجًا عَنْهُ، وَإِلَّا فَهُوَ طَائِفٌ فِيهِ (وَكَذَا عَنْ جَمِيعِ الْحِجْرِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الْجِيمِ الْمُحَوَّطِ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ الشَّامِيَّيْنِ بِجِدَارٍ قَصِيرٍ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ كُلٍّ مِنْ الرُّكْنَيْنِ فَتْحَةٌ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا طَافَ خَارِجَهُ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» وَلِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ «سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْجَدْرِ» وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «عَنْ الْحِجْرِ أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ قَالَ نَعَمْ قُلْت فَمَا بَالُهُمْ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ قَالَ إنَّ قَوْمَك قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ قُلْت فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ فَعَلَ ذَلِكَ قَوْمُك لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمَك حَدِيثُ عَهْدٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْصِقَ بَابَهُ بِالْأَرْضِ لَفَعَلْت» وَظَاهِرُ الْخَبَرِ أَنَّ الْحِجْرَ جَمِيعَهُ مِنْ الْبَيْتِ قَالَ فِي الْأَصْلِ، وَهُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ وَظَاهِرُ نَصِّ الْمُخْتَصَرِ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الَّذِي هُوَ مِنْ الْبَيْتِ قَدْرُ سِتَّةِ أَذْرُعٍ تَتَّصِلُ بِالْبَيْتِ وَقِيلَ سِتَّةٌ أَوْ سَبْعَةٌ وَلَفْظُ الْمُخْتَصَرِ مَحْمُولٌ عَلَى هَذَا وَمَعَ ذَلِكَ يَجِبُ الطَّوَافُ خَارِجَهُ لِمَا مَرَّ.

(فَلَوْ كَانَ يَطُوفُ وَيَمَسُّ بِيَدِهِ الْجِدَارَ) الْكَائِنَ (فِي مُوَازَاتِهِ الشَّاذَرْوَانُ) بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْخَارِجُ عَنْ عَرْضِ جِدَارِ الْبَيْتِ قَدْرَ ثُلُثَيْ ذِرَاعٍ تَرَكَتْهُ قُرَيْشٌ لِضِيقِ النَّفَقَةِ أَوْ يُدْخِلُ يَدَهُ بِأَعْلَى الشَّاذَرْوَانِ وَإِنْ لَمْ يَمَسَّ الْجِدَارَ أَوْ يَدْخُلُ مِنْ إحْدَى فَتْحَتَيْ الْحِجْرِ وَيَخْرُجُ مِنْ الْأُخْرَى أَوْ يَخْلُفُ مِنْهُ قَدْرَ الَّذِي مِنْ الْبَيْتِ وَيَقْتَحِمُ الْجِدَارَ وَيَخْرُجُ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ عَلَى السَّمْتِ (لَمْ يَصِحَّ) طَوَافُهُ لِمَا مَرَّ وَخَرَجَ بِمُوَازَاتِهِ مَا لَوْ مَسَّ الْجِدَارَ الَّذِي فِي جِهَةِ الْبَابِ فَلَا يَضُرُّ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ وَغَيْرِهَا عَنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ وَالشَّاذَرْوَانُ ظَاهِرٌ فِي جَوَانِبِ الْبَيْتِ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ، وَقَدْ أُحْدِثَ فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ عِنْدَهُ شَاذَرْوَانُ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَنْ يُتَفَطَّنَ لِدَقِيقَةٍ، وَهِيَ أَنَّ مَنْ قَبَّلَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدَ فَرَأْسُهُ فِي حَالِ التَّقْبِيلِ فِي جُزْءٍ مِنْ الْبَيْتِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُقِرَّ قَدَمَيْهِ فِي مَحَلِّهِمَا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ التَّقْبِيلِ وَيَعْتَدِلَ قَائِمًا.

الْوَاجِبُ (الرَّابِعُ كَوْنُهُ) أَيْ الطَّوَافِ (فِي الْمَسْجِدِ وَإِنْ وَسِعَ وَحَالَ حَائِلٌ) بَيْنَ الطَّائِفِ وَالْبَيْتِ كَالسِّقَايَةِ وَالسَّوَارِي (وَ) طَافَ (عَلَى سَطْحِهِ) أَيْ سَطْحِ الْمَسْجِدِ (الْمُنْخَفِضِ عَنْ الْبَيْتِ) كَمَا هُوَ الْيَوْمَ، نَعَمْ لَوْ زِيدَ فِيهِ حَتَّى بَلَغَ الْحِلَّ فَطَافَ فِيهِ فِي الْحِلِّ فَالْقِيَاسُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ الصِّحَّةِ بِقَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ مَا لَوْ طَافَ خَارِجَهُ، وَلَوْ بِالْحَرَمِ فَلَا يَصِحُّ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَطُفْ إلَّا دَاخِلَهُ وَقَالَ خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ» (فَإِنْ ارْتَفَعَ) السَّطْحُ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْبَيْتِ (جَازَ) الطَّوَافُ عَلَيْهِ أَيْضًا كَالصَّلَاةِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ مَعَ ارْتِفَاعِهِ عَنْ الْبَيْتِ، وَلَوْ قَالَ وَعَلَى سَطْحِهِ، وَلَوْ مُرْتَفِعًا عَنْ الْبَيْتِ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ.

(فَائِدَةٌ) الْمَسْجِدُ فِي زَمَنِنَا أَوْسَعُ مِمَّا كَانَ فِي زَمَنِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِزِيَادَاتٍ زِيدَتْ فِيهِ فَأَوَّلُ مَنْ وَسَّعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ اشْتَرَى دُورًا فَزَادَهَا فِيهِ وَاِتَّخَذَ لِلْمَسْجِدِ جِدَارًا قَصِيرًا دُونَ الْقَامَةِ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَ لَهُ الْجِدَارَ، ثُمَّ وَسَّعَهُ عُثْمَانُ وَاِتَّخَذَ لَهُ الْأَرْوِقَةَ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ اتَّخَذَهَا، ثُمَّ وَسَّعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فِي خِلَافَتِهِ، ثُمَّ وَسَّعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، ثُمَّ الْمَنْصُورُ، ثُمَّ الْمَهْدِيُّ وَعَلَيْهِ اسْتَقَرَّ بِنَاؤُهُ إلَى وَقْتِنَا ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا.

الْوَاجِبُ (الْخَامِسُ أَنْ يَطُوفَ سَبْعًا) ، وَلَوْ فِي الْأَوْقَاتِ الْمَنْهِيِّ عَنْ الصَّلَاةِ فِيهَا مَاشِيًا كَانَ أَوْ رَاكِبًا بِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَوْ اقْتَصَرَ عَلَى سِتَّةٍ أَوْ تَرَكَ مِنْ السَّبْعِ خُطْوَةً أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ لِمَا مَرَّ فِي اشْتِرَاطِ جَعْلِ الْبَيْتِ عَنْ يَسَارِهِ (فَرْعٌ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَصْحَابُ تَسْمِيَةَ الطَّوَّافَةِ شَوْطًا وَدُورًا؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا سَمَّاهَا بِالطَّوَافِ لَا بِهِمَا أَيْ وَلِأَنَّ الشَّوْطَ الْهَلَاكُ، ثُمَّ قَالَ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ «أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَرْمُلُوا ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ، وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الْأَشْوَاطَ كُلَّهَا إلَّا الْإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ» وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْكَرَاهَةِ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

سِتَّةَ عَشَرَ حَالَةً وَبِتَقْدِيرِ كَوْنِهِ مُسْتَقْبِلًا أَوْ مُسْتَدْبِرًا مَعَ الْمُعْتَادِ وَالْقَهْقَرَى فَقَدْ يَكُونُ مُنْتَصِبًا، وَقَدْ يَكُونُ مُنَكِّسًا، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْسَرِ فَهَذِهِ سِتَّةَ عَشْرَ حَالَةً أَيْضًا وَمَجْمُوعُهَا اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ وَيَغْلِبُ وُقُوعُهَا فِي الْمَحْمُولِ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ وَخُصُوصًا الْأَطْفَالُ، وَلَمْ يُصَرِّحْ بِحُكْمِ التَّنْكِيسِ وَالِاسْتِلْقَاءِ وَكَوْنِهِ عَلَى وَجْهِهِ وَمُقْتَضَى إطْلَاقِهِ جَوَازُهَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ عَلَى يَسَارِهِ سَوَاءٌ مَشَى تِلْقَاءَ وَجْهِهِ أَوْ رَجَعَ الْقَهْقَرَى وَالْمُتَّجَهُ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ مُنَابِذٌ لِلشَّرْعِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ مُنْتَصِبًا مَاشِيًا تِلْقَاءَ وَجْهِهِ قَالَ ابْنُ الْعِرَاقِيِّ قَدْ صَرَّحَ بِالثَّانِي فَقَالَ: وَهُوَ تِلْقَاءُ وَجْهِهِ وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ الَّذِي يَظْهَرُ صِحَّتُهُ مَعَ الْعُذْرِ فَإِنَّ الْمَرِيضَ الْمَحْمُولَ قَدْ لَا يَتَأَتَّى حَمْلُهُ إلَّا كَذَلِكَ بَلْ قَدْ لَا يَتَأَتَّى حَمْلَهُ إلَّا وَوَجْهُهُ أَوْ ظَهْرُهُ إلَى الْبَيْتِ لِتَعَذُّرِ اضْطِجَاعِهِ إلَّا كَذَلِكَ (فَائِدَةٌ) سُئِلَ الْبُلْقِينِيُّ عَنْ الْحِكْمَةِ فِي أَنَّ رَبَّنَا - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يُنَزِّلُ عَلَى بَيْتِهِ الْحَرَامِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ رَحْمَةً مِنْ ذَلِكَ لِلطَّائِفُونَ سِتُّونَ وَلِلْمُصَلِّينَ أَرْبَعُونَ وَلِلنَّاظِرِينَ عِشْرُونَ فَأَجَابَ: الطَّائِفُونَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ ثَلَاثٍ: طَوَافٌ وَصَلَاةٌ وَنَظَرٌ فَصَارَ لَهُمْ بِذَلِكَ سِتُّونَ وَالْمُصَلُّونَ فَاتَهُمْ الطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ أَرْبَعُونَ وَالنَّاظِرُونَ فَاتَهُمْ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ فَصَارَ لَهُمْ عِشْرُونَ.

(قَوْلُهُ لَكِنْ لَا يَظْهَرُ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ) فَإِنَّهُمْ تَرَكُوا رَفْعَهُ لِتَهْوِينَ الِاسْتِلَامِ.

(قَوْلُهُ فَالْقِيَاسُ فِي الْمُهِمَّاتِ عَدَمُ الصِّحَّةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ كَالصَّلَاةِ عَلَى جَبَلِ أَبِي قُبَيْسٍ) وَكَالطَّوَافِ بِالْعَرْصَةِ عِنْدَ ذَهَابِ بِنَائِهَا - وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى -

(قَوْلُهُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الرَّوْضَةِ وَغَيْرِهَا) وَقَالَ غَيْرُهُ إنَّهُ زَادَ فِيهِ الْمَأْمُونُ وَأَتْقَنَ فِي بُنْيَانِهِ بَعْدَ الْمَهْدِيِّ بِاثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً سَنَةَ اثْنَيْنِ وَمِائَتَيْنِ وَهُوَ كَذَلِكَ إلَى الْآنَ.

(قَوْلُهُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>