(فَيَرْقَى قَدْرَ قَامَةٍ) لِإِنْسَانٍ (عَلَى الصَّفَا وَيُشَاهِدُ الْبَيْتَ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقَى عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ وَأَنَّهُ فَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا» وَالرُّقِيُّ هُنَا وَفِي الْمَرْوَةِ مَحَلُّهُ فِي الذَّكَرِ بِخِلَافِ الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ فُصِّلَ فِيهِمَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَا بِخَلْوَةِ أَوْ بِحَضْرَةِ مَحَارِمَ وَأَنْ لَا يَكُونَا كَمَا قِيلَ بِهِ فِي جَهْرِ الصَّلَاةِ لَمْ يَبْعُدْ (وَيُكَرِّرُ) بَعْدَ اسْتِقْبَالِهِ الْبَيْتَ (الذِّكْرَ الْمَأْثُورَ ثَلَاثًا) ، وَهُوَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَى مَا هَدَانَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا أَوْلَانَا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدُهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ بِيَدِهِ الْخَيْرُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وَلَا نَعْبُدُ إلَّا إيَّاهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (وَيَدْعُو) بِمَا أَحَبَّ (بَعْدَ كُلٍّ مِنْ) الْمَرَّتَيْنِ (الْأُولَتَيْنِ، وَكَذَا بَعْدَ الثَّالِثَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَانَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يُطِيلُ الدُّعَاءَ هُنَاكَ وَاسْتَحَبُّوا مِنْ دُعَائِهِ أَنْ يَقُولَ اللَّهُمَّ إنَّك قُلْت اُدْعُونِي اسْتَجِبْ لَكُمْ وَأَنْتَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ وَإِنِّي أَسْأَلُك كَمَا هَدَيْتنِي لِلْإِسْلَامِ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ مِنِّي حَتَّى تَتَوَفَّانِي وَأَنَا مُسْلِمٌ وَلْيَكُنْ مِنْهُ مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ اللَّهُمَّ اعْصِمْنَا بِدِينِك وَطَوَاعِيَتِك وَطَوَاعِيَةِ رَسُولِك وَجَنِّبْنَا حُدُودَك اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا نُحِبُّكَ وَنُحِبُّ مَلَائِكَتَك وَأَنْبِيَاءَك وَرُسُلَك وَنُحِبُّ عِبَادَك الصَّالِحِينَ اللَّهُمَّ يَسِّرْنَا لِلْيُسْرَى وَجَنِّبْنَا الْعُسْرَى وَاغْفِرْ لَنَا فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى وَاجْعَلْنَا مِنْ أَئِمَّةِ الْمُتَّقِينَ.
(ثُمَّ يَنْزِلُ مِنْ الصَّفَا وَيَمْشِي) عَلَى هِينَتِهِ (حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْمِيلِ الْأَخْضَرِ الْمُعَلَّقِ بِالْمَسْجِدِ) أَيْ بِجِدَارِهِ (قَدْرَ سِتَّةِ أَذْرُعٍ فَيَسْعَى الذَّكَرُ) لَا الْأُنْثَى وَالْخُنْثَى وَلَوْ بِخَلْوَةٍ وَلَيْلٍ (جَهْدَهُ) بِأَنْ يُسْرِعَ فَوْقَ الرَّمَلَ (فَإِنْ عَجَزَ تَشَبَّهَ) بِالْمُسْرِعِ، وَهَذَا قَدَّمَهُ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرَّمَلِ وَيَسْتَمِرُّ كَذَلِكَ (حَتَّى يُحَاذِيَ) أَيْ يُقَابِلَ (الْمِيلَيْنِ) الْأَخْضَرَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا بِجِدَارِ الْمَسْجِدِ وَالْآخَرُ مُقَابِلُهُ بِدَارِ الْعَبَّاسِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَدَارِ الْعَبَّاسِ) أَيْ حَالَةَ كَوْنِهِ بَيْنَهُمَا لِمَا فِي خَبَرِ جَابِرٍ مِنْ قَوْلِهِ «، ثُمَّ نَزَلَ يَعْنِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي سَعَى حَتَّى إذَا صَعِدَتَا مَشَى إلَى الْمَرْوَةِ» (قَائِلًا) فِي سَعْيِهِ (الذِّكْرَ) الْمُنَاسِبَ لِلْأَصْلِ وَغَيْرِهِ الدُّعَاءَ (الْمَأْثُورَ) ، وَهُوَ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَتَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ إنَّك أَنْتَ الْأَعَزُّ الْأَكْرَمُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَالْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ وَالْمُنَاسِبُ أَيْضًا تَأْخِيرُ قَائِلًا إلَى آخِرِهِ عَمَّا يَأْتِي عَقِبَهُ لِئَلَّا يُوهِمَ تَقْيِيدَهُ بِالْإِسْرَاعِ (ثُمَّ يَمْشِي) عَلَى هِينَتِهِ (حَتَّى يَصْعَدَ قَامَةً فِي الْمَرْوَةِ وَيُعِيدَ الذِّكْرَ وَالدُّعَاءَ) مُسْتَقْبِلًا الْبَيْتَ كَمَا مَرَّ فِي الصَّفَا (هَذِهِ) الْفِعْلَةُ وَهِيَ الْمُرُورُ مِنْ الصَّفَا إلَى الْمَرْوَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (مَرَّةً) قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْمَرْوَةُ أَفْضَلُ مِنْ الصَّفَا؛ لِأَنَّهَا مُرُورُ الْحَاجِّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَالصَّفَا مُرُورُهُ ثَلَاثًا، وَالْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا وَسِيلَةٌ إلَى اسْتِقْبَالِهَا قَالَ وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانُ الْحَجِّ حَتَّى الْوُقُوفِ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ بَلْ أَفْضَلُهَا الْوُقُوفُ لِخَبَرِ «الْحَجُّ عَرَفَةَ» وَلِهَذَا لَا يَفُوتُ الْحَجُّ إلَّا بِفَوَاتِهِ، وَلَمْ يَرِدْ غُفْرَانُ الذُّنُوبِ فِي شَيْءِ مَا وَرَدَ فِي الْوُقُوفِ فَالصَّوَابُ الْقَطْعُ بِأَنَّهُ أَفْضَلُ الْأَرْكَانِ وَالْأَوْجَهُ مَا قَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ لِتَصْرِيحِ الْأَصْحَابِ بِأَنَّ الطَّوَافَ قُرْبَةٌ فِي نَفْسِهِ بِخِلَافِ الْوُقُوفِ
(وَالرُّقِيُّ) عَلَى الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ (وَالذِّكْرُ) فِيهِمَا الدُّعَاءُ (وَالْإِسْرَاعُ) فِيمَا مَرَّ (وَعَدَمُهُ) فِي غَيْرِهِ (سُنَّةٌ) فَلَا يَضُرُّ تَرْكُهَا (وَكَذَا الْمُوَالَاةُ فِيهِ) أَيْ فِي السَّعْيِ (وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّوَافِ فَيَجُوزُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومُ) وَإِنْ تَخَلَّلَ بَيْنَهُمَا فَصْلٌ طَوِيلٌ (مَا لَمْ يَقِفْ) بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بِهَا لَمْ يَجُزْ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ لِدُخُولِ وَقْتِ طَوَافِ الْفَرْضِ فَلَمْ يَحُزْ أَنْ يَسْعَى بَعْدَ طَوَافَ نَفْلٍ مَعَ إمْكَانِهِ بَعْدَ طَوَافِ فَرْضٍ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُكْرَهُ لِلسَّاعِي أَنْ يَقِفَ فِي سَعْيِهِ لِحَدِيثٍ أَوْ غَيْرِهِ.
(فَرْعٌ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّعْيُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ) بِشَرْطِهِ السَّابِقِ (أَوْ) طَوَافِ (الْإِفَاضَةِ وَ) إذَا سَعَى، وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ (تُكْرَهُ إعَادَتُهُ) وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ؛ لِأَنَّهَا بِدْعَةٌ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ بِعَرَفَةَ إعَادَتُهُ كَمَا سَيَأْتِي (فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ) طَوَافِ (الْوَدَاعِ لَمْ يُعْتَدَّ بِوَدَاعِهِ) ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُؤْتَى
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ وَالطَّوَافُ أَفْضَلُ أَرْكَانِ الْحَجِّ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَفِيهِ نَظَرٌ إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا هَذَا وَالْأَوْجَهُ أَنَّ أَفْضَلَ الْأَرْكَانِ الطَّوَافُ ثُمَّ الْوُقُوفُ ثُمَّ السَّعْيُ ثُمَّ الْحَلْقُ أَمَّا النِّيَّةُ فَهِيَ وَسِيلَةٌ لِلْعِبَادَةِ وَإِنْ كَانَتْ رُكْنًا كَاتَبَهُ.
(قَوْلُهُ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ) قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ السَّعْيُ إلَّا بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ أَوْ الْإِفَاضَةِ وَقَالَ فِي الْقُوتِ الْمَشْهُورِ انْحِصَارُ السَّعْيِ فِيمَا بَعْدَ الطَّوَافَيْنِ (قَوْلُهُ وَتُكْرَهُ إعَادَتُهُ إلَخْ) قَالَ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَجْمُوعِ إنَّهَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَنَقَلَهُ عَنْ الشَّافِعِيِّ وَالْأَصْحَابِ ثُمَّ حَكَى فِيهِ فِي الْإِفَاضَةِ وَمِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ الْكَرَاهَةُ عَنْ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهَا فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَالْإِيضَاحِ (قَوْلُهُ نَعَمْ يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ) وَالرَّقِيقِ إذَا عَتَقَ (تَنْبِيهٌ) الْقَارِنُ يُسْتَحَبُّ لَهُ طَوَافَانِ وَسَعَيَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ لَوْ شَكَّ فِي شَرْطٍ مِنْ شُرُوطِ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ أَوْ فِي شَيْءٍ مِنْ شُرُوطِ السَّعْيِ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يُعِيدُهُ لَكِنْ هَلْ يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا إذَا شَكَّ فِي رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فِي أَثْنَائِهَا أَمْ لَا كَمَا إذَا شَكَّ فِي ذَلِكَ بَعْدَ السَّلَامِ فَإِنَّهُ لَا يُؤَثِّرُ عَلَى الْمَذْهَبِ أَوْ يُفَرِّقُ هُنَا بَيْنَ أَنْ يَطْرَأَ الشَّكُّ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ أَوْ قَبْلَهُ لَمْ يَحْضُرْنِي فِيهِ مَسْطُورٌ، وَلَمْ أَتَطَلَّبْهُ، وَالْقِيَاسُ الِاحْتِمَالُ الثَّالِثُ بَلْ هُوَ الصَّوَابُ وَقَالَ الْغَزِّيِّ إنَّهُ الْأَقْرَبُ (قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى مَا بَعْدَ الْوَدَاعِ إلَخْ) قَالَ فِي التَّوَسُّطِ إنَّمَا أَرَادَ الشَّيْخَانِ طَوَافَ الْوَدَاعِ الْمَشْرُوعِ بَعْدَ فَرَاغِ الْمَنَاسِكِ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِمَا لَا كُلُّ وَدَاعٍ قَالَ شَيْخُنَا وَأَمَّا طَوَافُ النَّفْلِ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ الْمَكِّيُّ بِالْحَجِّ ثُمَّ تَنَفَّلَ بِالطَّوَافِ وَأَرَادَ السَّعْيَ بَعْدَهُ فَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ بِعَدَمِ إجْزَائِهِ لَكِنْ جَزَمَ الطَّبَرِيُّ شَارِحُ التَّنْبِيهِ فِيهِ بِالْإِجْزَاءِ يُوَافِقُهُ قَوْلُ ابْنِ الرِّفْعَةِ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنْ شَرْطِهِ أَنْ يَقَعَ بَعْدَ طَوَافِهِ، وَلَوْ نَقْلًا إلَّا طَوَافَ الْوَدَاعِ، وَعِبَارَةُ النِّهَايَةِ وَالْبَسِيطِ وَغَيْرِهِمَا أَنْ يَقَعَ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ إمَّا فَرْضٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute