بِالْمُوسَى، وَإِذَا اسْتَأْصَلَهُ بِمَا لَا يُسَمَّى حَلْقًا هَلْ يَبْقَى الْحَلْقُ فِي ذِمَّتِهِ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِالشَّعْرِ الْمُتَخَلِّفِ تَدَارُكًا لِمَا الْتَزَمَهُ أَوَّلًا؛ لِأَنَّ النُّسُكَ إنَّمَا هُوَ إزَالَةُ شَعْرٍ اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ الْمُتَّجَهُ الثَّانِي لَكِنْ يَلْزَمُهُ لِفَوَاتِ الْوَصْفِ دَمٌ كَمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مُفْرَدَيْنِ فَقَرَنَ أَوْ تَمَتَّعَ وَكَمَا لَوْ نَذَرَ الْحَجَّ مَاشِيًا وَقُلْنَا بِوُجُوبِ الْمَشْيِ فَرَكِبَ، ثُمَّ نَاذِرُ الْحَلْقِ قَدْ يُطْلِقُهُ فَيَكْفِيهِ ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالِاسْتِيعَابِ قَالَ الرَّافِعِيُّ فَفِيهِ تَرَدُّدٌ لِلْقَفَّالِ وَلَهَا أَخَوَاتٌ تَأْتِي فِي النَّذْرِ وَأَشَارَ بِهِ إلَى مَا نُذِرَ وَاسْتِيعَابُ مَسْحِ الرَّأْسِ فِي الْوُضُوءِ وَنَحْوِهِ الْأَصَحُّ فِيهِ اللُّزُومُ، وَقَدْ يُعَبِّرُ بِالْحَلْقِ مُضَافًا فَيَقُولُ: لِلَّهِ عَلَيَّ حَلْقُ رَأْسِي.
وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ كَتَصْرِيحِهِ بِالْجَمِيعِ لِلْعُرْفِ وَيُحْتَمَلُ إلْحَاقُهُ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ الْحَلْقُ أَوْ أَنْ أَحْلِقَ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي الْمُهِمَّاتِ، وَنَذْرُ الْمَرْأَةِ وَالْخُنْثَى التَّقْصِيرَ كَنَذْرِ الرَّجُلِ الْحَلْقَ فِيمَا ذُكِرَ.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّيَامُنُ) أَيْ الِابْتِدَاءُ بِالشِّقِّ الْأَيْمَنِ (وَالِاسْتِقْبَالُ) أَيْ اسْتِقْبَالُ الْمَحْلُوقِ الْقِبْلَةَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَالتَّكْبِيرُ بَعْدَ الْفَرَاغِ (فِي الْحَلْقِ) وَأَنْ يَبْلُغَ بِالْحَلْقِ إلَى الْعَظْمَيْنِ اللَّذَيْنِ عِنْدَ مُنْتَهَى الصُّدْغَيْنِ؛ لِأَنَّهُمَا مُنْتَهَى نَبَاتِ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَلَا يَخْتَصُّ مَا عَدَا التَّمْيِيزَ مِنْهَا بِحَلْقِ النُّسُكِ وَفِي نُسْخَةٍ فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ، وَتَقْيِيدُ الرَّافِعِيِّ كَالْمَاوَرْدِيِّ التَّكْبِيرَ بِفَرَاغِ الْحَلْقِ مُحْتَمَلٌ وَاَلَّذِي رَأَيْتُهُ فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلدَّمِيرِيِّ تَقْيِيدَهُ بِعِنْدِهِ إلَى الْفَرَاغِ فَقَالَ وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَهُ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْهُ قَالَ وَفِي مُثِيرِ الْعَزْمِ السَّاكِنِ عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ قَالَ: أَخْطَأْت فِي حَلْقِ رَأْسِي فِي خَمْسَةِ أَحْكَامٍ عَلَّمَنِيهَا حَجَّامٌ أَتَيْتُهُ بِمِنًى فَقُلْت لَهُ بِكَمْ تَحْلِقُ رَأْسِي؟ فَقَالَ: أَعِرَاقِيٌّ أَنْتَ؟ قُلْت نَعَمْ قَالَ النُّسُكُ لَا يُشَارَطُ عَلَيْهِ اجْلِسْ قَالَ فَجَلَسْت مُنْحَرِفًا عَنْ الْقِبْلَةِ فَقَالَ لِي: حَوِّلْ وَجْهَكَ إلَى الْقِبْلَةِ فَحَوَّلْته، وَأَرَدْته أَنْ يَحْلِقَ مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْسَرِ فَقَالَ أَدِرْ الْأَيْمَنَ فَأَدَرْته فَجَعَلَ يَحْلِقُ وَأَنَا سَاكِتٌ فَقَالَ: كَبِّرْ كَبِّرْ فَكَبَّرْت فَلَمَّا فَرَغَ قُمْت لِأَذْهَبَ فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ امْضِ قُلْت لَهُ مِنْ أَيْنَ لَك مَا أَمَرْتَنِي بِهِ قَالَ رَأَيْت عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ يَفْعَلُهُ.
(وَ) يُسْتَحَبُّ (التَّقْصِيرُ) لِمَنْ يُقَصِّرُ (قَدْرَ أُنْمُلَةٍ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ) وَحُكْمُ تَقْصِيرِ مَا زَادَ عَلَيْهَا حُكْم الْحَلْقُ (وَيُجْزِئُ) فِي الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ (ثَلَاثُ شَعَرَاتٍ دُفْعَةً مِنْ الرَّأْسِ) لِوُجُوبِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ وَاكْتِفَاءً بِمُسَمَّى الْجَمْعِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] أَيْ شَعْرًا مِنْ رُءُوسِكُمْ (لَا دُفُعَاتٍ) بِنَاءً عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ عَدَمِ تَكْمِيلِ الدَّمِ بِإِزَالَتِهَا الْمُحَرِّمَةِ، وَهَذَا وَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُ أَصْلِهِ مِنْ الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ لَكِنْ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَمَنَاسِكِهِ الِاكْتِفَاءُ بِهَا مَعَ فَوَاتِ الْفَضِيلَةِ وَيُجَابُ عَنْ الْبِنَاءِ بِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ الِاتِّحَادُ فِي التَّصْحِيحِ وَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَا قُلْنَاهُ لَا يَأْتِي فِي الشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ الْمَأْخُوذَةِ بِدُفُعَاتٍ وَإِنْ سَوَّى الْأَصْلُ بَيْنَهُمَا فِي الْبِنَاءِ الْمَذْكُورِ وَيَكْتَفِي فِي أَخْذِ الشَّعْرِ (بِقَصٍّ أَوْ نَتْفٍ أَوْ إحْرَاقٍ) أَوْ غَيْرِهِ (مِنْ مُسْتَرْسِلٍ وَغَيْرِهِ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إزَالَةُ الشَّعْرِ، وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ طَرِيقٌ إلَيْهَا عُلِمَ مِمَّا تَقَرَّرَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي مَا دُونَ الثَّلَاثِ، وَلَا ثَلَاثَ مِنْ غَيْرِ الرَّأْسِ أَوْ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي الْفِدْيَةِ؛ لِأَنَّ مَا وَرَدَ مِنْ الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ مُخْتَصٌّ بِالرَّأْسِ (وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ الشَّعْرِ) احْتِرَامًا لَهُ قَالَ فِي الْإِمْلَاءِ وَدَفْنُ الشَّعْرِ الْحَسَنِ آكَدُ لِئَلَّا يُؤْخَذَ لِلْوَصْلِ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ ثَبَتَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا حَلَقَ رَأْسَهُ قَلَّمَ أَظْفَارَهُ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ وَشَارِبِهِ وَأَظْفَارِهِ إذَا رَمَى الْجَمْرَةَ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ الْحَلْقِ اللَّهُمَّ آتِي بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةً وَامْحُ عَنِّي سَيِّئَةً وَارْفَعْ لِي بِهَا دَرَجَةً وَاغْفِرْ لِي وَلِلْمُحَلِّقِينَ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يَتَطَيَّبَ وَيَلْبَسَ.
(فَصْلٌ أَعْمَالُ يَوْمِ النَّحْرِ) فِي الْحَجِّ (أَرْبَعَةٌ: رَمْيُ الْجَمْرَةِ) أَيْ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ (وَالذَّبْحُ لِلْهَدْيِ وَالْحَلْقُ) أَوْ التَّقْصِيرُ (وَالطَّوَافُ) كَمَا مَرَّ (وَتَرْتِيبُهَا) عَلَى مَا ذَكَرَ (سُنَّةٌ) لِلِاتِّبَاعِ (فَلَوْ حَلَقَ) أَوْ قَصَّرَ (أَوَّلًا) أَيْ قَبْلَ الثَّلَاثَةِ الْأُخَرِ (فَلَا فِدْيَةَ) عَلَيْهِ وَإِنَّمَا لَمْ يَجِبْ تَرْتِيبُهَا لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ «سَمِعْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ النَّحْرِ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُمْ يَسْأَلُونَهُ فَقَالَ رَجُلٌ لَمْ أُشْعِرْ فَحَلَقْت قَبْلَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ الْمُتَّجَهُ الثَّانِي إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ وَمُرَادُ الْأَصْلِ عَدَمُ إجْزَائِهِ فِي خُرُوجِهِ عَنْ عُهْدَةِ نَذْرِهِ لَا عَدَمُ حُصُولِ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِذَلِكَ لَا مَحَالَةَ وَإِنْ أَثِمَ بِتَفْوِيتِ الْوَفَاءِ بِالْمَنْذُورِ مَعَ التَّمَكُّنِ وَكَتَبَ أَيْضًا الْمُتَّجَهُ فِي الْمُهِمَّاتِ الْأَوَّلُ (قَوْلُهُ ثُمَّ نَاذِرُ الْحَلْقِ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ نَذَرَهُ فِي وَقْتِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ إلَّا حَلْقُ شَعْرِ الرَّأْسِ جَمِيعِهِ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ فِي اللُّزُومِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَالْمُتَّجَهُ أَنَّهُ كَتَصْرِيحِهِ بِالْجَمِيعِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ
(قَوْلُهُ وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِلدَّمِيرِيِّ إلَخْ) وَأَنْ يُكَبِّرَ عِنْدَ فَرَاغِهِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَالْبَنْدَنِيجِيّ وَالرُّويَانِيُّ وَالرَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ
(قَوْلُهُ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح: ٢٧] أَيْ شَعْرَهَا؛ لِأَنَّهَا نَفْسَهَا لَا تُحْلَقُ وَلَا تُقَصَّرُ وَالشَّعْرُ جَمْعٌ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثٌ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ كَذَا اسْتَدَلُّوا بِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْنَا؛ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُضَافُ يُفِيدُ الْعُمُومَ وَيَدُلُّ لَهُ فِعْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَعَمْ الطَّرِيقُ فِي التَّوْجِيهِ أَنْ يُقَدَّرَ لَفْظُ الشَّعْرِ مُنَكَّرًا مَقْطُوعًا عَنْ الْإِضَافَةِ (قَوْلُهُ أَيْ شَعْرًا مِنْ رُءُوسِكُمْ) أَوْ نَقُولُ قَامَ الْإِجْمَاعُ كَمَا نَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الِاسْتِيعَابُ فَاكْتَفَيْنَا فِي الْوُجُوبِ بِمُسَمَّى الْجَمْعِ. اهـ.، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إلَّا شَعْرَةٌ أَوْ ثِنْتَانِ وَجَبَ إزَالَتُهَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ لَكِنْ الَّذِي صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِي مَجْمُوعِهِ وَمَنَاسِكِهِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْمِنْهَاجِ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَمَا صَحَّحَهُ النَّوَوِيُّ فِيمَا قُلْنَاهُ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ قَالَ شَارِحٌ هُنَا لَوْ أَخَذَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا ثُمَّ شَيْئًا ثُمَّ شَيْئًا فَإِنْ تَقَطَّعَ الزَّمَانُ كَفَى وَإِنْ تَوَاصَلَ فَكَالشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ هَذَا مَرْدُودٌ كَأَنَّهُ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ إعَادَةِ الضَّمِيرِ فِي كَلَامِ الرَّافِعِيِّ فَظَنَّ أَنَّهُ لِلشَّعْرَةِ الْوَاحِدَةِ عَلَى تَقْدِيرِ إرَادَةِ ذَلِكَ فَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ حَلْقًا، وَلَا تَقْصِيرًا شَرْعِيًّا وَلَا يُعَضِّدُهُ خَبَرٌ، وَلَا أَثَرٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute