للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَرَّحَ الْعِمْرَانِيُّ عَنْ الشَّرِيفِ الْعُثْمَانِيِّ قَالَ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّفْرَ غَيْرُ جَائِزٍ قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ، وَهُوَ صَحِيحٌ مُتَّجَهٌ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ فَالشَّرْطُ أَنْ يَنْفِرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالرَّمْيِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ كَغَيْرِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ إيضَاحٌ لِمَا قَبْلَهُ وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْفِرْ حَتَّى غَرَبَتْ الشَّمْسُ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْمَبِيتُ، وَلَا الرَّمْيُ كَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مَوْقُوفٍ عَلَيْهِ (فَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَلَهُ النَّفْرُ) ؛ لِأَنَّ فِي تَكْلِيفِهِ حَلَّ الرَّحْلِ وَالْمَتَاعِ مَشَقَّةٌ عَلَيْهِ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ أَصْلَ الرَّوْضَةِ وَهُوَ كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ، وَغَيْرُهُ غَلَطٌ سَبَبُهُ سُقُوطُ شَيْءٍ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الْعَزِيزِ.

وَالْمُصَحَّحُ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَمَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ النَّفْرُ بِخِلَافِ مَا لَوْ ارْتَحَلَ وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ مِنْ مِنًى فَإِنْ لَهُ النَّفْرَ (وَكَذَا لَوْ عَادَ) إلَى مِنًى بَعْدَ نَفَرِهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ (لِحَاجَةٍ) كَزِيَارَةٍ (فَغَرَبَتْ) أَوْ غَرَبَتْ فَعَادَ كَمَا فُهِمَ بِالْأَوْلَى وَصَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ فَلَهُ النَّفْرُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْمَبِيتُ وَالرَّمْيُ (بَلْ لَوْ بَاتَ هَذَا) مُتَبَرِّعًا (سَقَطَ عَنْهُ الرَّمْيُ) لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ لَهُ بِالنَّفْرِ.

(وَيَدْخُلُ رَمْيُ) أَيْ وَقْتُ رَمْيِ (كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِزَوَالِ شَمْسِهِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَيُنْدَبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى صَلَاةِ الظُّهْرِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الْأَصْحَابِ (وَيَمْتَدُّ) وَقْتُهُ الْمُخْتَارُ (إلَى غُرُوبِهَا) ، وَإِذَا كَانَ ابْتِدَاءُ وَقْتِهِ مِنْ الزَّوَالِ (فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ) عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ شِعَارُ هَذِهِ الْأَيَّامِ فَلَوْ قَدَّمَ فِي يَوْمٍ مِنْهَا لَخَلَتْ الْبَقِيَّةُ عَنْ الشِّعَارِ وَمَا اقْتَضَاهُ مَا تَقَرَّرَ مِنْ جَوَازِ تَرْكِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وَوُقُوعِهِ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ لَا يَشْكُلُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمِ، وَأَنَّهُمْ يَقْضُونَ مَا فَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَرْكِ الرَّمْيِ فَقَطْ وَهُنَاكَ فِي تَارِكِهِ مَعَ الْبَيَاتِ بِمِنًى وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ كَمَا مَرَّ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَالْيَوْمُ الْأَوَّلُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يُسَمَّى يَوْمَ الْقَرِّ بِفَتْحِ الْقَافِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ؛ لِأَنَّهُمْ قَارُّونَ بِمِنًى وَالْيَوْمُ الثَّانِي النَّفْرُ الْأَوَّلُ، وَالثَّالِثُ النَّفَرُ الثَّانِي (وَالْمَتْرُوكُ) ، وَلَوْ عَمْدًا (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّمْيِ (وَلَوْ رَمَى) وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَتَرْكُ رَمْيٍ أَيْ مَتْرُوكُ رَمْيِ (يَوْمِ النَّحْرِ يُتَدَارَكُ) فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَدَاءً إلَى انْقِضَائِهَا) بِالنَّصِّ فِي الرِّعَاءِ وَأَهْلِ السَّاقِيَةِ وَبِالْقِيَاسِ فِي غَيْرِهِمْ وَإِنَّمَا وَقَعَ أَدَاءً؛ لِأَنَّهُ لَوْ وَقَعَ قَضَاءً لَمَا دَخَلَهُ التَّدَارُكُ كَالْوُقُوفِ بَعْدَ فَوَاتِهِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهُ مُوَقَّتَةٌ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ وَالْقَضَاءُ لَيْسَ كَذَلِكَ.

(وَالتَّرْتِيبُ فِيهِ) أَيْ فِي الرَّمْيِ الْمَتْرُوكِ وَرَمْيِ يَوْمِ التَّدَارُكِ (وَاجِبٌ) رِعَايَةً لِلتَّرْتِيبِ فِي الزَّمَانِ كَرِعَايَتِهِ فِي الْمَكَانِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَدَاءً (فَإِنْ خَالَفَ وَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ) ؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْحَجِّ عَلَى تَقْدِيمِ الْأَوْلَى فَالْأَوْلَى، وَبِذَلِكَ عُلِمَ مَا صَرَّحَ بِهِ الْأَصْلُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَمَى إلَى كُلِّ جَمْرَةٍ أَرْبَعَ عَشْرَةَ حَصَاةً سَبْعًا عَنْ أَمْسِهِ وَسَبْعًا عَنْ يَوْمِهِ لَمْ يُجْزِئُهُ عَنْ يَوْمِهِ (وَلَا يَجُوزُ رَمْيُ الْمُتَدَارَكِ قَبْلَ الزَّوَالِ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ رَمْيٌ فَصَارَ كَاللَّيْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّوْمِ (وَلَا لَيْلًا) ؛ لِأَنَّ الرَّمْيَ عِبَادَةُ النَّهَارِ كَالصَّوْمِ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ تَبِعَ فِيهِمَا كَالْإِسْنَوِيِّ تَرْجِيحَ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ وَالْأَصَحُّ فِيهِمَا الْجَوَازُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ الْأَصْلُ، وَاقْتَضَاهُ نَصُّ الشَّافِعِيِّ وَالثَّانِي ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي شَامِلِهِ وَابْنُ الصَّلَاحِ وَالنَّوَوِيُّ فِي مَنَاسِكِهِمَا وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَتَعْلِيلًا لِلْمَنْعِ بِمَا ذَكَرَ مَمْنُوعَانِ فِي الْمُتَدَارَكِ فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ وَكُلُّ يَوْمٍ لِرَمْيِهِ وَقْتُ اخْتِيَارٍ لَكِنْ لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ عَلَى زَوَالِ شَمْسِهِ كَمَا مَرَّ.

(فَرْعٌ يُشْتَرَطُ) فِي رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ (أَنْ يَبْدَأَ بِالْجَمْرَةِ الْأُولَى) وَهِيَ الَّتِي تَلِي مَسْجِدَ الْخَيْفِ (ثُمَّ الْوُسْطَى، ثُمَّ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ) لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مَعَ خَبَرِ «خُذُوا

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ، وَهَذَا تَبِعَ فِيهِ الْأَصْلَ) وَنَقَلَهُ فِي الْمَجْمُوعِ عَنْ الرَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ مِنْ بَعْضِ نُسَخِ الْعَزِيزِ) عِبَارَةُ الْعَزِيزِ فِي نُسَخِهِ الْمُعْتَمَدَةِ، وَلَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ، وَهُوَ فِي شُغْلِ الِارْتِحَالِ فَهَلْ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا لَا، وَلَوْ نَفَرَ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَعَادَ لِشُغْلٍ: أَمَّا قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ بَعْدَهُ هَلْ لَهُ أَنْ يَنْفِرَ فِيهِ وَجْهَانِ أَصَحُّهُمَا نَعَمْ اهـ.

(قَوْلُهُ وَالْمُصَحَّحُ فِيهِ وَفِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَيَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ مَسْأَلَةٌ حَسَنَةٌ تَعُمُّ الْبَلْوَى بِهَا، وَهِيَ أَنَّ أُمَرَاءَ الْحَجِيجِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يَبِيتُونَ بِمُعْظَمِ الْحَجِيجِ بِمِنًى اللَّيْلَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ التَّشْرِيقِ ثُمَّ يَنْفِرُونَ غَالِبًا بُكْرَةَ الثَّالِثِ وَيَدَعُونَ الرَّمْيَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَلَا يُمْكِنُ التَّخَلُّفُ عَنْهُمْ خَوْفًا عَلَى النَّفْسِ وَالْمَالِ وَالْأَبْضَاعِ وَيُحْرِمُ أَكْثَرُ الْحَجِيجِ بِالْعُمْرَةِ مَعَ بَقَاءِ الرَّمْيِ عَلَيْهِمْ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْجُمْهُورِ أَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يَنْعَقِدُ لِبَقَاءِ الرَّمْيِ عَلَيْهِمْ (قَوْلُهُ لِحُصُولِ الرُّخْصَةِ بِالنَّفْرِ) لَوْ عَادَ لِلْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ فَوَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّا جَعَلْنَا عَوْدَهُ لِذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مِنًى وَالثَّانِي لَا يَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّا نَجْعَلُهُ كَالْمُسْتَدِيمِ لِلْفِرَاقِ وَنَجْعَلُ وُجُودَ عَوْدِهِ كَعَدَمِهِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ وَلَا الْمَبِيتُ.

(قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَارِكِ الرَّمْيِ فَقَطْ إلَخْ) وَهَذَا ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ السِّقَايَةِ لَمَّا تَرَكُوا الْمَبِيتَ بِمِنًى امْتَنَعَ فِي حَقِّهِمْ تَأْخِيرُ رَمْيِ يَوْمَيْنِ لِعَدَمِ إتْيَانِهِمْ بِشَيْءٍ مِنْ الشِّعَارِ فِي الْيَوْمَيْنِ بِخِلَافِ مَنْ أَتَى بِالْمَبِيتِ فَإِنَّهُ أَتَى بِشِعَارِهِ فَسُومِحَ بِتَأْخِيرِ الرَّمْيِ (قَوْلُهُ وَالْمَتْرُوكُ وَمِنْهُ، وَلَوْ رَمَى يَوْمَ النَّحْرِ إلَخْ) لَوْ فَاتَهُ رَمْيُ يَوْمِ النَّحْرِ وَجَبَ تَقْدِيمُهُ عَلَى رَمْيِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كَمَا فِي مَنَاسِكِ النَّوَوِيِّ وَابْنِ الصَّلَاحِ فَتَفَطَّنْ لَهُ فَإِنَّهُ قَلَّ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ (قَوْلُهُ أَدَاءً إلَى انْقِضَائِهَا) وَحِينَئِذٍ فَيَكُونُ لِلرَّمْيِ ثَلَاثَةُ أَوْقَاتٍ: وَقْتُ فَضِيلَةٍ وَاخْتِيَارٍ وَجَوَازٍ.

(قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ أَدَاءٌ) شَمَلَ مَا إذَا كَانَ الْمَتْرُوكُ يَوْمَ النَّحْرِ (قَوْلُهُ وَهَذَانِ الْحُكْمَانِ تَبِعَ فِيهِمَا الْإِسْنَوِيُّ تَرْجِيحَ الشَّرْحِ الصَّغِيرِ) اعْتَرَضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ بِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ الرَّافِعِيُّ: وَلَا إلَى تَقْدِيمِهِ عَلَى الزَّوَالِ رَاجِعٌ إلَى رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ (قَوْلُهُ الْأَصَحُّ فِيهِمَا الْجَوَازُ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ كَالسُّبْكِيِّ إنَّ الرَّاجِحَ مَذْهَبَا الْجَوَازِ فِيهِمَا تَبَعًا لِنَصِّ الشَّافِعِيِّ (قَوْلُهُ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْأَوَّلِ) الْأَصْلِ وَالْمَجْمُوعِ وَالْمَنَاسِكِ (وَقَوْلُهُ فَجُمْلَةُ أَيَّامِ مِنًى بِلَيَالِيِهَا كَوَقْتٍ وَاحِدٍ) وَمَا اقْتَضَاهُ هَذَا الْكَلَامُ مِنْ جَوَازِ رَمْيِ يَوْمَيْنِ وُقُوعُهُ أَدَاءً بِالتَّدَارُكِ لَا يَشْكُلُ بِقَوْلِهِمْ لَيْسَ لِلْمَعْذُورِينَ أَنْ يَدَعُوا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمٍ وَأَنْ يَقْضُوا مَا فَاتَهُمْ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ هُنَا فِي تَارِكِ الرَّمْيِ فَقَطْ، وَهُنَاكَ فِي تَارِكِهِ مَعَ الْبَيَانِ بِمِنًى وَالتَّعْبِيرُ بِالْقَضَاءِ لَا يُنَافِي الْأَدَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>