يَحْصُلُ التَّرَفُّهُ بِخِلَافِ الْحِنْثِ بِهِ لِوُجُودِ اسْمِ اللُّبْسُ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ، وَكَذَا لَوْ الْتَحَفَ بِقَمِيصٍ أَوْ عَبَاءَةٍ أَوْ إزَارٍ أَوْ نَحْوِهَا وَلَفَّ عَلَيْهِ طَاقًا، أَوْ أَكْثَرَ فَلَا فِدْيَةَ (وَلَهُ تَقَلُّدُ السَّيْفِ) وَالْمُصْحَفِ (وَشَدُّ الْمِنْطَقَةِ) وَالْهِمْيَانِ عَلَى وَسَطِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَدِمَتْ الصَّحَابَةُ مَكَّةَ مُتَقَلِّدِينَ بِسُيُوفِهِمْ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْبُخَارِيُّ.
وَلَهُ أَنْ يَلُفَّ بِوَسَطِهِ عِمَامَةً، وَلَا يَعْقِدُهَا وَأَنْ يَلْبَسَ الْخَاتَمَ وَأَنْ يُدْخِلَ يَدَهُ فِي كُمِّ قَمِيصٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ (وَ) لَهُ (عَقْدُ الْإِزَارِ بِتِكَّةٍ) بِكَسْرِ التَّاءِ أَوْ نَحْوِهَا (فِي حُجُزِهِ) بِضَمِّ الْحَاءِ أَيْ فِي حُجْزَةِ الْإِزَارِ أَيْ مَعْقِدِهِ لِحَاجَةِ إحْكَامِهِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَ الْمُتَوَلِّي، وَلَهُ شَدُّهُ بِخَيْطٍ، وَلَوْ مَعَ عَقْدِ الْإِزَارِ لِحَاجَةِ ثُبُوتِهِ بِخِلَافِ اتِّخَاذِ الشَّرَجِ وَالْعُرَى لِلرِّدَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِذَلِكَ الْأَصْلُ (لَا إنْ عَقَدَهُ) أَيْ الْإِزَارَ (بِشَرَجٍ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ أَيْ أَزْرَارٍ (فِي عُرًى أَوْ شَقَّهُ) نِصْفَيْنِ (وَلَفَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ وَعَقَدَهُ أَوْ عَقَدَ طَرَفَيْ رِدَائِهِ) بِخَيْطٍ أَوْ بِدُونِهِ (أَوْ خَلَّهُمَا بِخِلَالٍ) كَمِسَلَّةِ فَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا لِشَبَهِ الثَّانِي بِالسَّرَاوِيلِ وَمَا عَدَاهُ بِالْمَخِيطِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يَسْتَمْسِكُ وَقَيَّدَ الْغَزَالِيُّ وَالْقَاضِي مُجَلِّيٌّ الْأَوَّلَ بِمَا إذَا تَقَارَبَ الشَّرَجُ بِحَيْثُ أَشْبَهَتْ الْخِيَاطَةُ، وَإِلَّا فَلَا فِدْيَةَ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الرِّدَاءُ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الشَّرَجَ الْمُتَبَاعِدَ يُشْبِهُ الْعَقْدَ، وَهُوَ فِيهِ مُمْتَنِعٌ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْإِزَارِ.
(وَلَهُ أَنْ يَشُدَّ طَرَفَ إزَارِهِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَيْهِ فِي الِاسْتِمْسَاكِ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ كَمَا قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، وَلَهُ غَرْزُ رِدَائِهِ فِي إزَارِهِ وَالتَّوَشُّحُ بِهِ (وَلِلْمَرْأَةِ) وَلَوْ أَمَةً (سَتْرُ مَا سِوَى الْوَجْهِ بِمَخِيطٍ وَغَيْرِهِ) مِنْ الْمَلْبُوسَاتِ «؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى النِّسَاءَ فِي إحْرَامِهِنَّ عَنْ الْقُفَّازَيْنِ وَالنِّقَابِ وَمَا مَسَّهُ الْوَرْسُ أَوْ الزَّعْفَرَانُ مِنْ الثِّيَابِ، ثُمَّ قَالَ: وَلْيَلْبَسْنَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَحْبَبْنَ مِنْ أَلْوَانِ الثِّيَابِ مِنْ مُعَصْفَرٍ أَوْ خَزٍّ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ حُلِيٍّ أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ خُفٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهَا السَّتْرُ بِالْمَخِيطِ دُونَ الرَّجُلِ لِلْإِخْبَارِ؛ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ أَوْلَى بِالسَّتْرِ وَغَيْرُ الْمَخِيطِ لَا يَتَأَتَّى مَعَهُ الْأَمْنُ مِنْ الْكَشْفِ كَالْمَخِيطِ، وَلِهَذَا لَوْ اجْتَمَعَا عَلَى السَّتْرِ قُدِّمَتْ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ زِيَادَتِهِ وَذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ (لَا) سَتْرَ (الْكَفَّيْنِ بِقُفَّارَيْنِ) أَوْ إحْدَاهُمَا بِأَحَدِهِمَا فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ؛ وَلِأَنَّ الْقُفَّازَ مَلْبُوسُ عُضْوٍ لَيْسَ بِعَوْرَةٍ فَأَشْبَهَ خُفَّ الرَّجُلِ وَخَرِيطَةَ لِحْيَتِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ، وَالْقُفَّازُ شَيْءٌ يُعْمَلُ لِلْيَدَيْنِ يُحْشَى بِقُطْنٍ وَتَكُونُ لَهُ أَزْرَارٌ تُزَرُّ عَلَى السَّاعِدَيْنِ مِنْ الْبَرْدِ تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فِي يَدَيْهَا، وَمُرَادُ الْفُقَهَاءِ مَا يَشْمَلُ الْمَحْشُوَّ وَغَيْرَهُ.
(وَيَجُوزُ) سَتْرُهُمَا (بِغَيْرِهِمَا) كَكُمٍّ وَخِرْقَةٍ لَفَّتْهَا عَلَيْهِمَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ سَوَاءٌ أَخَضَبَتْهُمَا أَمْ لَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ الْقُفَّازِ عَلَيْهَا مَا مَرَّ آنِفًا وَفِي نُسْخَةٍ بَدَلَ لَا الْكَفَّيْنِ إلَى آخِرِهِ لَا الْقُفَّازَيْنِ وَيَجُوزُ لَفُّ يَدِهَا بِغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَجْهُ فَلَا تَسْتُرُهُ لِلْخَبَرَيْنِ السَّابِقَيْنِ (وَ) لَكِنْ (يُعْفَى عَمَّا تَسْتُرُهُ مِنْ الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِلرَّأْسِ) إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِ قَدْرٍ يَسِيرٍ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الْوَجْهِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى سَتْرِهِ بِكَمَالِهِ لِكَوْنِهِ عَوْرَةً أَوْلَى مِنْ الْمُحَافَظَةِ عَلَى كَشْفِ ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنْ الْوَجْهِ، وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ لَا تَسْتُرُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ رَأْسَهَا لَيْسَ بِعَوْرَةٍ لَكِنْ قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ مَا ذُكِرَ فِي إحْرَامِ الْمَرْأَةِ وَلُبْسِهَا لَمْ يُفَرِّقُوا فِيهِ بَيْنَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَشَذَّ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ فَحَكَى وَجْهًا أَنَّ الْأَمَةَ كَالرَّجُلِ، وَوَجْهَيْنِ فِي الْمُبَعَّضَةِ هَلْ هِيَ كَالْأَمَةِ أَوْ كَالْحُرَّةِ (وَلَهَا أَنْ تُسْدِلَ) أَيْ تُرْخِيَ عَلَى وَجْهِهَا (ثَوْبًا مُتَجَافِيًا) عَنْهُ بِخَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهَا سَوَاءٌ أَفَعَلَتْهُ لِحَاجَةٍ كَحَرٍّ وَبَرْدٍ وَفِتْنَةٍ أَمْ لَا كَمَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ سَتْرُ رَأْسِهِ بِمِظَلَّةٍ وَنَحْوِهَا (وَإِنْ أَصَابَهُ) كَأَنْ وَقَعَتْ الْخَشَبَةُ فَأَصَابَ الثَّوْبُ وَجْهَهَا (بِلَا اخْتِيَارٍ مِنْهَا فَرَفَعَتْهُ فَوْرًا فَلَا فِدْيَةَ، وَإِلَّا) بِأَنْ اخْتَارَتْ ذَلِكَ أَوْ لَمْ تَرْفَعْهُ فَوْرًا (وَجَبَتْ) مَعَ الْإِثْمِ.
(وَلِلْخُنْثَى) الْمُشْكِلِ (سَتْرُ أَحَدِهِمَا) أَيْ الْوَجْهِ وَالرَّأْسِ، وَلَا فِدْيَةَ؛ لِأَنَّا لَا نُوجِبُ شَيْئًا بِالشَّكِّ (فَقَطْ) أَيْ لَا سَتْرَهُمَا، فَلَوْ سَتَرَهُمَا لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ لِتَيَقُّنِ سَتْرِ مَا لَيْسَ لَهُ سَتْرُهُ وَقَالَ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَسْتُرَ بِالْمَخِيطِ لِجَوَازِ كَوْنِهِ رَجُلًا وَيُمْكِنُهُ سَتْرُهُ بِغَيْرِهِ هَكَذَا ذَكَرَهُ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ لَا خِلَافَ أَنَّا نَأْمُرُهُ بِالسَّتْرِ وَلُبْسِ الْمَخِيطُ كَمَا نَأْمُرُهُ أَنْ يَسْتَتِرَ فِي صَلَاتِهِ كَالْمَرْأَةِ انْتَهَى. وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ قُلْت أَمَّا سَتْرُ رَأْسِهِ فَوَاجِبٌ احْتِيَاطًا، وَلَا يَسْتُرُ وَجْهَهُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَكَشْفُهُ وَاجِبٌ أَوْ رَجُلًا لَمْ يَلْزَمْهُ سَتْرُهُ، وَأَمَّا سَتْرُ بَدَنِهِ فَيَجِبُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أُنْثَى فَوَاضِحٌ أَوْ رَجُلًا فَجَائِزٌ وَالسَّتْرُ مَعَ التَّرَدُّدِ وَاجِبٌ، وَلِهَذَا «أُمِرَتْ سَوْدَةُ أَنْ تَحْتَجِبَ مِنْ ابْنِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ وَأَمَرَ الْخُنْثَى بِالِاحْتِجَابِ» قَالَ وَتَجْوِيزُ الْقَاضِي لُبْسَ الْمَخِيطِ فِيهِ نَظَرٌ، وَعِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَلَا يَتَقَيَّدُ الرَّدُّ بِذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يُمْكِنُ اسْتِيعَابُ سَتْرِهِ إلَّا بِسِتْرِهِ إلَخْ وَالْوَجْهُ إنَّمَا نَهَى فِيهِ عَنْ النِّقَابِ، وَذَلِكَ الْقَدْرُ لَيْسَ بِنِقَابٍ، وَلَا فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ إظْهَارُ الشِّعَارِ، وَهُوَ لَا يَفُوتُ بِذَلِكَ؛ وَلِأَنَّ السَّتْرَ آكِدٌ (قَوْلُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ أَنَّ الْأَمَةَ إلَخْ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ، وَجَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ فِي شَرْحِ إرْشَادِهِ وَالْأَمَةُ كَالْحُرَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ لَكِنَّ الْحُرَّةَ لَا تُؤَاخَذُ بِمَا تَسْتُرُهُ مِنْ الْوَجْهِ احْتِيَاطًا لِسَتْرِ الرَّأْسِ
(قَوْلُهُ وَقَالَ السُّلَمِيُّ عَقِبَ ذَلِكَ إلَخْ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ وَالْأَذْرَعِيُّ وَمَا قَالَهُ حَسَنٌ وَفِي فَتَاوَى الْقَفَّالِ يُخَمِّرُ رَأْسَهُ، وَلَا يُخَمِّرُ وَجْهَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute