لِلِاتِّبَاعِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ تَأْخِيرِ قَدَمَيْهِ عَنْ الْغُسْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرَّوْضَةِ وَإِنْ ثَبَتَ تَأْخِيرُهُمَا فِي الْبُخَارِيِّ أَيْضًا قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ نَقْلًا عَنْ الْأَصْحَابِ: وَسَوَاءٌ أَقَدَّمَ الْوُضُوءَ كُلَّهُ أَمْ بَعْضَهُ أَمْ أَخَّرَهُ أَمْ فَعَلَهُ فِي أَثْنَاءِ الْغُسْلِ فَهُوَ مُحَصِّلٌ لِلسُّنَّةِ لَكِنَّ الْأَفْضَلَ تَقْدِيمُهُ (يَنْوِي بِهِ سُنَّةَ الْغُسْلِ إنْ تَجَرَّدَتْ الْجَنَابَةُ) عَنْ الْحَدَثِ (وَإِلَّا) نَوَى بِهِ (رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ وَإِنْ قُلْنَا يَنْدَرِجُ) فِي الْغُسْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا مَرَّ فِي بَابِ صِفَةِ الْوُضُوءِ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ أَوْجَبَهُ وَهَذَا مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الصَّلَاحِ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ لَا حَاجَةَ إلَى إفْرَادِهِ بِنِيَّةٍ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ أَوْ كَانَ وَقُلْنَا بِانْدِرَاجِهِ لَمْ يَكُنْ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً بَلْ مِنْ كَمَالِ الْغُسْلِ وَقَضِيَّتُهُ أَنَّهُ تَكْفِي فِيهِ نِيَّةُ الْغُسْلِ كَمَا يَكْفِي فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ نِيَّةُ الْوُضُوءِ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو خَلَفٍ الطَّبَرِيُّ وَابْنُ الرِّفْعَةِ وَلَا يُنَافِي ارْتِفَاعَ الْجَنَابَةِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فِيمَا إذَا قَدَّمَهُ عَلَى الْغُسْلِ حُصُولُ صُورَةِ الْوُضُوءِ قَالَ النَّسَائِيّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ بِمَا قَالَهُ الْإِشَارَةُ إلَى مَا صَحَّحَهُ فِي بَابِ الْوُضُوءِ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ نِيَّتِهِ مَعَ نِيَّةِ الْغُسْلِ لَا نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ أَيْ فَيُرْجَعُ إلَى مَا اخْتَارَهُ النَّوَوِيُّ وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا قَائِلًا بِاسْتِحْبَابِ النِّيَّةِ لَا بِوُجُوبِهَا وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِحُكْمِ كُلِّ مَا هُوَ دَاخِلٌ تَحْتَ عِبَادَةٍ كَالطَّوَافِ لِلْحَجِّ وَالسِّوَاكِ لِلْوُضُوءِ فَلَمْ يَزِدْ النَّوَوِيُّ عَلَى الرَّافِعِيِّ إلَّا التَّفْصِيلَ فِي كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ
(وَتَجَرُّدُهَا) أَيْ الْجَنَابَةِ عَنْ الْحَدَثِ أَيْ حُصُولُهَا مَعَ بَقَاءِ الْوُضُوءِ يَكُونُ (بِنَحْوِ لِوَاطٍ) كَوَطْءِ بَهِيمَةٍ (وَ) إنْزَالٍ بِنَحْوِ (ضَمٍّ بِحَائِلٍ) لِامْرَأَةٍ (وَفِكْرٍ وَنَظَرٍ) وَنَوْمٍ مُمَكِّنٍ (ثُمَّ) بَعْدَ الْوُضُوءِ (تَعَهَّدَ مَعَاطِفَهُ) كَالْأُذُنِ وَغُضُونِ الْبَطْنِ (وَ) تَعَهَّدَ (أُصُولَ شَعْرٍ) لَهُ بِالْمَاءِ اسْتِظْهَارًا (ثُمَّ يُفِيضُ) الْمَاءَ (عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ الْأَيْسَرِ بِتَثْلِيثٍ) لِغُسْلِ جَمِيعِ الْبَدَنِ (وَذَلِكَ) فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِمَا تَصِلُهُ يَدُهُ كَالْوُضُوءِ وَتَأَسِّيًا بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَتَعَهَّدُ مَا ذُكِرَ ثُمَّ يَغْسِلُ رَأْسَهُ وَيُدَلِّكُهُ ثَلَاثًا ثُمَّ بَاقِيَ جَسَدِهِ كَذَلِكَ بِأَنْ يَغْسِلَ وَيُدَلِّكَ شِقَّهُ الْأَيْمَنَ الْمُقَدِّمَ ثُمَّ الْمُؤَخِّرَ ثُمَّ الْأَيْسَرَ كَذَلِكَ مَرَّةً ثُمَّ ثَانِيَةً ثُمَّ ثَالِثَةً كَذَلِكَ لِلْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ الْمُتَّجِهَ إلْحَاقُهُ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ حَتَّى لَا يَنْتَقِلُ إلَى الْمُؤَخَّرِ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْمُقَدَّمِ رُدَّ بِسُهُولَةِ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى الْحَيِّ بِخِلَافِهِ فِي الْمَيِّتِ لِمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ تَكْرِيرِ تَقْلِيبِ الْمَيِّتِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيْسَرِ وَأُخِّرَتْ إفَاضَةُ الْمَاءِ عَمَّا قَبْلَهَا لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْإِسْرَافِ فِيهِ، وَأَقْرَبُ إلَى الثِّقَةِ بِوُصُولِهِ فَإِنْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ فَإِنْ كَانَ فِي جَارٍ كَفَى فِي التَّثْلِيثِ أَنْ يُمِرَّ عَلَيْهِ مِنْهُ ثَلَاثَ جَرْيَاتٍ لَكِنْ قَدْ يَفُوتُهُ الدَّلْكُ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ غَالِبًا تَحْتَ الْمَاءِ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يُضَيِّقُ نَفَسَهُ
(وَ) إنْ كَانَ (فِي رَاكِدٍ) لَمْ يَكْفِ مُكْثُهُ بَلْ (يَنْغَمِسُ) فِيهِ (ثَلَاثًا) بِأَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْهُ وَيَنْقُلَ قَدَمَيْهِ وَاعْتِبَارُ انْفِصَالِهِ بِجُمْلَتِهِ بَعِيدٌ، قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ: وَقَضِيَّةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَكْفِي التَّحَرُّكُ فِيهِ مِنْ مَقَامِهِ إلَى آخَرَ ثَلَاثًا وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهِ كَمَا فِي التَّسْبِيعِ مِنْ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ فَإِنَّ حَرَكَتَهُ تَحْتَ الْمَاءِ كَجَرْيِ الْمَاءِ عَلَيْهِ، وَكَانَ الرَّافِعِيُّ إنَّمَا اعْتَبَرَ الْغَمْسَ ثَلَاثًا لِيَأْتِيَ بِالدَّلْكِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ خَارِجَ الْمَاءِ، وَعَدَلَ الْمُصَنِّفُ إلَى تَعْبِيرِهِ بِرَاكِدٍ عَنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِنَهْرٍ لِيَسْلَمَ مِنْ الِاعْتِرَاضِ بِأَنَّ النَّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا جَارِيًا (وَأَتْبَعَتْ) أَيْ وَأَكْمَلَهُ مَا مَرَّ، وَأَنْ تُتْبِعَ ذَاتُ الْحَيْضِ أَوْ النِّفَاسِ وَلَوْ بِكْرًا وَخَلِيَّةً بَعْدَ غُسْلِهَا (أَثَرَ الدَّمِ مِسْكًا) بِأَنْ تَجْعَلَهُ عَلَى قُطْنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا وَتُدْخِلَهَا فِي قُبُلِهَا إلَى الْمَحِلِّ الَّذِي يَجِبُ غُسْلُهُ كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ تَطْيِيبًا لِلْمَحِلِّ «وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِسَائِلَتِهِ عَنْ الْغُسْلِ مِنْ الْحَيْضِ خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً فَتَطَهَّرِي بِهَا فَلَمْ تَعْرِفْ مُرَادَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالْفِرْصَةُ: قِطْعَةُ صُوفٍ أَوْ قُطْنٍ أَوْ نَحْوِهِ وَالْأَوْلَى الْمِسْكُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ (فَطِيبًا) آخَرَ (وَإِلَّا فَطِينًا) بِالنُّونِ (وَالْمَاءُ كَافٍ) وَعِبَارَةُ الرَّافِعِيِّ تَبَعًا لِلْإِمَامِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَعَبَّرَ فِي الرَّوْضَةِ تَبَعًا لِلشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَةٍ بِقَوْلِهِ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ لَكِنَّ الثَّانِيَ أَحْسَنُ ذَكَرَهُ فِي الْمَجْمُوعِ قَالَ: وَمُرَادُ الْمُعَبِّرِينَ بِالْأَوَّلِ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ يُكْرَهُ تَرْكُهَا بِلَا عُذْرٍ وَبِهَذَا بَطَلَ مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْإِسْنَوِيُّ مِنْ أَنَّ عِبَارَةَ الرَّوْضَةِ لَيْسَتْ صَحِيحَةً وَمَعْنَاهَا فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَالْمَاءُ كَافٍ عَنْ الْحَدَثِ مَعَ الْخُلُوِّ عَنْ سُنَّةِ الِاتِّبَاعِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ كَافٍ عَنْ السُّنَّةِ وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذَكَرَ الْمُحِدَّةُ فَلَا تُطَيِّبُ الْمَحِلَّ إلَّا بِقَلِيلِ قُسْطٍ أَوْ أَظْفَارٍ لِقَطْعِ الرَّائِحَةِ الْكَرِيهَةِ ذَكَرَهُ الرَّافِعِيُّ فِي الْعَدَدِ وَاسْتَثْنَى الزَّرْكَشِيُّ الْمُسْتَحَاضَةَ أَيْضًا فَقَالَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَسْتَعْمِلَهُ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِخُرُوجِ الدَّمِ فَيَجِبُ غُسْلُهُ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
مِنْ عَدَمِ الِاكْتِفَاءِ لَهُمَا بِوَاحِدَةٍ أَمَّا الْقَائِلُ بِالِاكْتِفَاءِ فَالْحُكْمُ عِنْدَهُ كَذَلِكَ فِي غَيْرِ السَّابِعَةِ وَأَمَّا السَّابِعَةُ فَتَكْفِي لَهُمَا عِنْدَهُ إذَا عَفَّرَ فِيمَا عَدَاهَا أَوْ كَانَتْ كُدْرَةً (قَوْلُهُ: قَالَ النَّسَائِيّ وَلَعَلَّ مُرَادَ الرَّافِعِيِّ. إلَخْ) قَالَ شَيْخُنَا حَمْلُهُ لَيْسَ بِمَرْضِيٍّ (فَرْعٌ)
قَالَ الْغَزَالِيُّ لَا يَنْبَغِي لِلْجُنُبِ أَنْ يُزِيلَ شَيْئًا مِنْ أَجْزَائِهِ أَوْ دَمِهِ قَبْلَ غُسْلِهِ إذْ يُرَدُّ إلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ جُنُبًا وَيُقَالُ إنَّ كُلَّ شَعَرَةٍ تُطَالِبُهُ بِجَنَابَتِهَا
(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي الِاكْتِفَاءُ بِهِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَأَتْبَعَتْ أَثَرَ الدَّمِ مِسْكًا) شَمَلَ تَعْبِيرُهُ بِأَثَرِ الدَّمِ الْمُسْتَحَاضَةَ إذَا شُفِيَتْ وَهُوَ مَا تَفَقَّهَهُ الْأَذْرَعِيُّ وَغَيْرُهُ (قَوْلُهُ: كَمَا قَالَهُ الْبَنْدَنِيجِيُّ) فَيَخْتَلِفُ حُكْمُ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ أَمَّا الصَّائِمَةُ فَلَا تَسْتَعْمِلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (قَوْلُهُ: وَإِلَّا قَطِينًا) أَيْ أَوْ نَحْوَهُ (قَوْلُهُ: وَالْمَاءُ كَافٍ) أَيْ فِي دَفْعِ الْعَتَبِ الْمُتَوَجِّهِ بِسَبَبِ الْإِخْلَالِ بِالنِّسْبَةِ لِمَكَانِ الْعُذْرِ بِعَدَمِ الْوُجْدَانِ كَمَا فِي الْمَجْمُوعِ لَا فِي حُصُولِ ثَوَابِ السُّنَّةِ كَمَا نَقَلَهُ الْإِسْنَائِيُّ عَنْ الرَّافِعِيِّ وَلَمْ أَرَهُ فِي الْعَزِيزِ هُنَا آتٍ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَثْنَى مِمَّا ذَكَرَ الْمُحِدَّةُ. . . إلَخْ) وَالظَّاهِرُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَقْلًا أَنَّ الْمُحْرِمَةَ كَالْمُحِدَّةِ وَأَوْلَى لِقِصَرِ زَمَنِ الْإِحْرَامِ غَالِبًا وَلِغِلَظِ تَحْرِيمِ الطِّيبِ فِيهِ ت وَيُحْتَمَلُ مَنْعُهَا مِنْ الطِّيبِ مُطْلَقًا لِمَا مَرَّ، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا قَالَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْقَايَاتِيُّ (قَوْلُهُ: وَفِيهِ نَظَرٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute