كَنَظِيرِهِ فِي الْمُحْرِمِ يُوَكِّلُ رَجُلًا لِيَعْقِدَ لَهُ النِّكَاحَ، وَإِذَا طَلَبَ فِي الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَيَمَّمْ عَقِبَ الطَّلَبِ لَا يَلْزَمُهُ إعَادَتُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ بِخِلَافِ مَا إذَا طَلَبَ قَبْلَهُ فَإِنَّهُ مُفَرِّطٌ بِالطَّلَبِ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ (فَيَطْلُبُهُ بِأَنْ) يُفَتِّشَ رَحْلَهُ (ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ) يَمِينًا وَشِمَالًا وَأَمَامًا وَخَلْفًا إنْ كَانَ (فِي مُسْتَوٍ) مِنْ الْأَرْضِ (وَيَتَأَمَّلَ مَوْضِعَ الْخُضْرَةِ وَالطَّيْرِ) بِأَنْ يَخُصَّهُ بِمَزِيدِ احْتِيَاطٍ (وَ) إنْ كَانَ (فِي غَيْرِ مُسْتَوٍ) كَأَنْ كَانَ فِي وَهْدَةٍ أَوْ جَبَلٍ (تَرَدَّدَ إنْ أَمِنَ) نَفْسًا وَمَالًا وَعُضْوًا وَاخْتِصَاصًا مُحْتَرَمَاتٍ وَانْقِطَاعَاتٍ عَنْ الرُّفْقَةِ (وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ) عَنْ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ مَا ذَكَرَهُ أَوْ ضَاقَ وَقْتُ الصَّلَاةِ بِأَنْ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا مَا يَسَعُهَا لَمْ يَجِبْ التَّرَدُّدُ لِلضَّرَرِ وَلِلْوَحْشَةِ فِي انْقِطَاعِهِ، وَإِخْرَاجُ بَعْضِ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا سَوَاءٌ كَثُرَ الْمَالُ أَمْ قَلَّ وَحَذْفُ مَعْمُولِ " أَمِنَ " لِيَشْمَلَ مَا قُلْنَاهُ فَتَعْبِيرُهُ بِمَا قَالَهُ أَوْلَى مِنْ تَقْيِيدِ الْأَصْلِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَقَوْلِهِ وَلَمْ يَضِقْ الْوَقْتُ مِنْ زِيَادَتِهِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَارِزِيُّ، وَحَيْثُ طَلَبَ الْمَاءَ فَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ مِنْ مَحِلٍّ يُتَوَهَّمُ وُجُودُهُ فِيهِ، وَإِذَا وَجَبَ تَرَدُّدُهُ فِيمَا ذَكَرَ تَرَدَّدَ (إلَى حَدٍّ تُسْمَعُ اسْتِغَاثَتُهُ) بِأَنْ يَسْمَعَهَا رُفْقَتُهُ (مَعَ مَا الرُّفْقَةُ فِيهِ) بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا مِنْ تَشَاغُلِهِمْ بِأَشْغَالِهِمْ وَتَفَاوُضِهِمْ فِي أَقْوَالِهِمْ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاسْتِوَاءِ الْأَرْضِ وَاخْتِلَافِهَا صُعُودًا وَهُبُوطًا وَيُسَمَّى ذَلِكَ حَدَّ الْغَوْثِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَدُورَ الْحَدُّ الْمَذْكُورُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَكْثَرُ ضَرَرًا عَلَيْهِ مِنْ إتْيَانِ الْمَاءِ فِي الْمَوْضِعِ الْبَعِيدِ بَلْ الْمُرَادُ أَنْ يَصْعَدَ جَبَلًا أَوْ نَحْوَهُ بِقُرْبِهِ ثُمَّ يَنْظُرَ حَوَالَيْهِ انْتَهَى، فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادُ مَنْ عَبَّرَ بِالتَّرَدُّدِ إلَيْهِ فَذَاكَ وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ
(بِخِلَافِ وَاجِدِ الْمَاءِ لَوْ خَافَ الْفَوَاتَ) أَيْ فَوَاتِ الْوَقْتِ (إنْ تَوَضَّأَ فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ (ثُمَّ) إذَا تَيَمَّمَ (لَا يُجَدِّدُ طَلَبًا) أَيْ لَا يَلْزَمُهُ تَجْدِيدُهُ (لِتَيَمُّمٍ آخَرَ إلَّا إنْ تَوَهَّمَ) وُجُودَ الْمَاءِ وَلَمْ يَجْرِ أَمْرٌ يُحْتَمَلُ بِسَبَبِهِ وُجُودُهُ فَيَلْزَمُهُ التَّجْدِيدُ (وَ) لَكِنْ (يَكُونُ طَلَبُهُ) الْمُجَدَّدُ (أَخَفَّ) مِنْ طَلَبِهِ الْأَوَّلِ (وَإِنْ) جَرَى أَمْرٌ يُحْتَمَلُ بِسَبَبِهِ وُجُودُ الْمَاءِ كَأَنْ (انْتَقَلَ) مِنْ مَكَانِهِ (أَوْ طَلَعَ رَكْبٌ أَوْ سَحَابَةٌ أَعَادَ الطَّلَبَ) أَيْضًا لَكِنْ لَا يَكُونُ الثَّانِي أَخَفَّ مِنْ الْأَوَّلِ وَسَوَاءٌ فِي هَذَا كُلِّهِ تَخَلَّلَ بَيْنَ التَّيَمُّمَيْنِ زَمَنٌ أَمْ لَا (وَيُنَادِي فِي الرُّفْقَةِ) أَيْ رُفْقَةِ مَنْزِلِهِ الْمَنْسُوبِ إلَيْهِ بِحَيْثُ يَعُمُّهُمْ إلَّا أَنْ يَضِيقَ وَقْتُ تِلْكَ الصَّلَاةِ (مِنْ مَعَهُ مَاءٌ) أَوْ مَنْ يَجُودُ بِالْمَاءِ أَوْ نَحْوِهِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ (وَيَكْفِي أَنْ تَأْذَنَ الرُّفْقَةُ لِوَاحِدٍ ثِقَةٍ يَطْلُبُ) لَهُمْ وَلَوْ عَبَّرَ كَأَصْلِهِ بَدَلَ قَوْلِهِ: لِوَاحِدٍ بِثِقَةٍ كَانَ أَوْلَى وَأَخْصَرَ (فَإِنْ تَيَقَّنَهُ) أَيْ وُجُودَ الْمَاءِ (بِحَدِّ الْقُرْبِ وَهُوَ مَا يَقْصِدُهُ الرُّفْقَةُ لِلِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ) كَالِاحْتِشَاشِ وَهُوَ فَوْقَ حَدِّ الْغَوْثِ الَّذِي يَقْصِدُهُ عِنْدَ التَّوَهُّمِ، قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى لَعَلَّهُ يَقْرَبُ مِنْ نِصْفِ فَرْسَخٍ (وَجَبَ الطَّالِبُ) مِنْهُ (إنْ أَمِنَ) مَعَ مَا مَرَّ (الْفَوَاتَ) أَيْ فَوَاتَ الْوَقْتِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ تَيَقَّنَ وُجُودَهُ فَوْقَ حَدِّ الْقُرْبِ أَوْ بِحَدِّهِ لَكِنْ لَمْ يَأْمَنْ مَا ذَكَرَ (فَلَا) يَجِبُ الطَّلَبُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ، قَالَ فِي الْمَجْمُوعِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَالُ قَدْرًا يَجِبُ بَذْلُهُ فِي تَحْصِيلِ الْمَاءِ ثَمَنًا أَوْ أُجْرَةً أَيْ فَيَجِبُ الطَّلَبُ مَعَ خَوْفِ ضَرَرِهِ وَمَا شَمِلَهُ قَوْلُهُ الْمُصَنِّفُ وَإِلَّا فَلَا مِنْ أَنَّهُ لَوْ انْتَهَى إلَى الْمَنْزِلِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَوْ طَلَبَ الْمَاءَ خَرَجَ الْوَقْتُ لَمْ يَجِبْ طَلَبُهُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ الرَّافِعِيُّ يَجِبُ طَلَبُهُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي رَحْلِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا نَقَلَ مَا قَالَهُ عَنْ مُقْتَضَى كَلَامِ الْأَصْحَابِ بِحَسَبِ مَا فَهِمَهُ، وَزَادَ النَّوَوِيُّ نَقْلَهُ عَنْ ظَاهِرِ نَصِّ الْأُمِّ وَغَيْرِهِ وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ
(وَمَنْ تَيَقَّنَ الْمَاءَ) أَيْ وُجُودَهُ (آخِرَ الْوَقْتِ فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) مِنْ تَعْجِيلِ التَّيَمُّمِ لِأَنَّ الْوُضُوءَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْأَكْمَلُ وَلِأَنَّ فَضِيلَةَ
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
قَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ مُسْتَوٍ) هُوَ مَوْضِعُ الِاحْتِيَاجِ إلَى التَّرَدُّدِ غَالِبًا تَوْشِيحٌ (قَوْلُهُ: بِضَمِّ الرَّاءِ) وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا (قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَبَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ) قَالَ شَيْخُنَا أَيْ بَيْنَ الْمُرَادَيْنِ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَاقِدٍ لِلْمَاءِ) وَلَا مَانِعَ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ وَشَمَلَتْ عِبَارَتُهُ مَا لَوْ أُقِيمَتْ الْجُمُعَةُ وَخَافَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ فَوْتِهَا لَوْ تَوَضَّأَ وَالْمَاءُ حَاضِرٌ عِنْدَهُ يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُهُ وَلَوْ تَيَمَّمَ لَأَدْرَكَهَا فَإِنَّهُ لَا يَتَيَمَّمُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ (قَوْلُهُ: وَيُنَادِي فِي الرُّفْقَةِ. إلَخْ) قُلْت وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فِي نِدَائِهِ مَنْ يَدُلُّنِي عَلَى الْمَاءِ مَنْ يَجُودُ بِهِ مَنْ يَبِيعُهُ إذَا كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الدَّارِمِيُّ وَغَيْرُهُ وَفِي التَّهْذِيبِ يُنَادِي مَنْ يَجُودُ بِالْمَاءِ مَنْ يَبِيعُ مَاءً إنْ كَانَ مَعَهُ ثَمَنٌ اهـ فَيَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَدُلُّهُ عَلَيْهِ وَلَا يَهَبُهُ وَلَا يَبِيعُهُ وَإِذَا اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: مَنْ يَجُودُ بِالْمَاءِ وَنَحْوِهِ سَكَتَ مَنْ لَا يَبْذُلُهُ مَجَّانًا وَكَذَا لَوْ أَطْلَقَ النِّدَاءَ لِأَنَّ الْبَيَّاعَ قَدْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَسْتَوْهِبُهُ فَلَا يُجِيبُهُ ت (قَوْلُهُ: مَنْ مَعَهُ مَاءٌ) قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَلَوْ بِثَمَنِهِ فَقَدْ يَسْمَحُ بِالْبَيْعِ لَا بِالْهِبَةِ ش وَأَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: أَيْ فَوَاتِ الْوَقْتِ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَسْعَى إلَى هَذَا الْحَدِّ لِأَشْغَالِهِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَلِلْعِبَادَةِ أَوْلَى (قَوْلُهُ: أَيْ فَيَجِبُ الطَّلَبُ مَعَ خَوْفِ ضَرَرِهِ) يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَثْنِيَ مَا إذَا كَانَ الْمَالُ حَيَوَانًا يُخْشَى عَلَيْهِ مِنْ افْتِرَاسِ السَّبُعِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ مُرَاعَاةً لِحُرْمَةِ الرُّوحِ وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَحْرُسُهُ بِأُجْرَةٍ لَا تَزِيدُ عَلَى ثَمَنِ الْمَاءِ وَجَبَ عِلْمٌ مِنْ كَوْنِ مَا يَجِبُ بَذْلُهُ فِي ثَمَنِ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُ الطَّلَبَ أَنْ يَكُونَ السِّرْجِينُ وَنَحْوُهُ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ دُونَ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ كَمَا قَالُوا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْكَلْبِ وَنَحْوِهِ: إنَّهَا تَصِحُّ حَيْثُ خَلَّفَ مَالًا وَإِنْ قَلَّ.
قَالَ ابْنُ الْعِمَادِ هَذَا غَفْلَةٌ عَنْ الْمَنْقُول فَإِنَّهُ يَجِبُ سَقْيُ الْمَاءِ لِلْكِلَابِ فَكَيْفَ يُؤْمَرُ بِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَتَضْيِيعِ الْكِلَابِ أَصْلًا، وَيُرَدُّ بِأَنَّ مَا قَاسَ عَلَيْهِ فِي الْخَوْفِ عَلَى هَلَاكِ الْكِلَابِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ إنَّمَا هُوَ خَوْفٌ عَلَى أَخْذِ الْغَيْرِ لَهَا (قَوْلُهُ: وَقَالَ السُّبْكِيُّ: إنَّهُ الْحَقُّ) أَيْ وَالْأَذْرَعِيُّ
(قَوْلُهُ: وَمَنْ تَيَقَّنَ الْمَاءَ آخِرَ الْوَقْتِ. إلَخْ) قَالَ فِي الْمُهَذَّبِ وَإِنْ دَلَّ عَلَى مَاءٍ وَلَمْ يَخَافُ فَوْتَ الْوَقْتِ وَلَا انْقِطَاعًا عَنْ رُفْقَةٍ وَلَا ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ لَزِمَهُ طَلَبُهُ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ: هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ بِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْخُرَاسَانِيِّينَ أَوْ أَكْثَرُهُمْ (قَوْلُهُ: فَانْتِظَارُهُ أَفْضَلُ) ثُمَّ إنَّمَا يَكُونُ التَّأْخِيرُ أَفْضَلُ أَنْ لَوْ كَانَ يُصَلِّيهَا مُنْفَرِدًا أَوْ فِي جَمَاعَةٍ فِي الْحَالَيْنِ أَمَّا لَوْ كَانَ لَوْ قَدَّمَهَا بِالتَّيَمُّمِ لَصَلَّاهَا جَمَاعَةً وَلَوْ أَخَّرَهَا لَانْفَرَدَ فَالْوَجْهُ أَنَّ التَّقْدِيمَ أَفْضَلُ، وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ الْمَحَامِلِيُّ وَغَيْرُهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute