هُنَاكَ عَنْ تَصْحِيحِ الشَّيْخِ أَبِي حَامِدٍ وَالْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالشَّيْخِ نَصْرٍ وَالشَّاشِيُّ وَغَيْرِهِمْ، وَنَقَلَ فِيهِ تَصْحِيحَ الْجَوَازِ عَنْ الْإِمَامِ وَالْبَغَوِيِّ كَمَنْ تَيَمَّمَ عُرْيَانَا وَعِنْدَهُ سُتْرَةٌ قَالَ: وَيُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ سَتْرَ الْعَوْرَةِ أَخَفُّ مِنْ إزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلِهَذَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ الْعُرْيِ بِلَا إعَادَةٍ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ وَبِمَا تَقَرَّرَ عُلِمَ أَنَّ عَدَمَ الْجَوَازِ مَحِلُّهُ عَلَى قَوْلِ الْقَاضِي أَبِي الطَّيِّبِ فِي السَّفَرِ (وَإِنْ أَتْلَفَ الْمَاءَ فِي الْوَقْتِ لِغَرَضٍ كَتَبَرُّدٍ وَتَنَظُّفٍ وَتَحَيُّرِ مُجْتَهِدٍ لَمْ يَعْصِ) لِلْعُذْرِ (أَوْ) أَتْلَفَهُ (عَبَثًا لَا قَبْلَ الْوَقْتِ) بَلْ فِيهِ أَوْ بَعْدَهُ (عَصَى) لِتَفْرِيطِهِ بِإِتْلَافِ مَا تَعَيَّنَ لِلطَّهَارَةِ (وَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ إذَا تَيَمَّمَ فِي الْحَالَيْنِ لِأَنَّهُ تَيَمَّمَ وَهُوَ فَاقِدٌ لِلْمَاءِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَزِمَهُ كَفَّارَةٌ وَلَهُ عَبْدٌ فَقَتَلَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ وَكَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَكْفِيهِ أَمَّا إذَا أَتْلَفَهُ قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَا إعَادَةَ أَيْضًا وَلَا عِصْيَانَ أَيْ مِنْ حَيْثُ إتْلَافُ مَاءِ الطَّهَارَةِ وَإِلَّا فَالْعِصْيَانُ ثَابِتٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ مَعَ أَنَّ عَدَمَ الْعِصْيَانِ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الرَّوْضَةِ نَعَمْ هُوَ قَضِيَّةُ كَلَامِ الرَّافِعِيِّ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا قَرَّرْته قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَلَوْ أَحْدَثَ عَمْدًا بِلَا حَاجَةٍ فَيَتَّجِهُ إلْحَاقُهُ بِالْإِتْلَافِ بِلَا سَبَبٍ (وَلَوْ بَاعَهُ أَوْ وَهَبَهُ فِي الْوَقْتِ بِلَا حَاجَةٍ لَهُ وَلَا لِلْمُشْتَرِي) أَوْ الْمُتَّهِبِ (كَعَطَشٍ لَمْ يَصِحَّ بَيْعُهُ وَلَا هِبَتُهُ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا لِتَعَيُّنِهِ لِلطُّهْرِ وَبِهَذَا فَارَقَ صِحَّةَ هِبَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ أَوْ دُيُونٌ فَوَهَبَ مَا يَمْلِكُهُ (وَلَا تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) لِبَقَائِهِ عَلَى مِلْكِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ (فَإِنْ عَجَزَ عَنْ اسْتِرْدَادِهِ تَيَمَّمَ) وَصَلَّى (وَقَضَى تِلْكَ الصَّلَاةَ) الَّتِي فَوَّتَ الْمَاءَ فِي وَقْتِهَا التَّقْصِيرُ دُونَ مَا سِوَاهَا لِأَنَّهُ فَوَّتَ الْمَاءَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا (وَلَا يَقْضِيهَا) أَيْ تِلْكَ الصَّلَاةَ (بِتَيَمُّمٍ فِي الْوَقْتِ) بَلْ يُؤَخِّرُ الْقَضَاءَ إلَى وُجُودِ الْمَاءِ أَوْ حَالَةَ يَسْقُطُ الْفَرْضُ فِيهَا بِالتَّيَمُّمِ
(وَإِنْ تَلِفَ) الْمَاءُ (فِي يَدِ الْمُتَّهِبِ) أَوْ الْمُشْتَرِي (فَكَالْإِرَاقَةِ) فِي أَنَّهُ إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ لَا إذَا أَتْلَفَ صَارَ فَاقِدًا لَهُ عِنْدَ التَّيَمُّمِ (وَلَا يَضْمَنُهُ الْمُتَّهِبُ) بِتَلَفِهِ فِي يَدِهِ بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْهِبَةَ الصَّحِيحَةَ لَا ضَمَانَ فِيهَا عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، وَفَاسِدُ كُلِّ عَقْدٍ كَصَحِيحِهِ فِي الضَّمَانِ وَعَدَمِهِ كَمَا سَيَأْتِي نَعَمْ لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَيْنًا لَا تَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُتَّهِبِ لِأَنَّ الْحَجْرَ فِيهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ (وَلَوْ مَرَّ بِمَاءٍ فِي الْوَقْتِ وَأَبْعَدَ) الْأَوْلَى مَا فِي الْأَصْلِ وَبَعُدَ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ طَلَبُهُ (ثُمَّ تَيَمَّمَ فَلَا إعَادَةَ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ فَاقِدًا لِلْمَاءِ عِنْدَ التَّيَمُّمِ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ: وَكَلَامُ الرَّافِعِيِّ يُوهِمُ عَدَمَ وُجُوبِ الْوُضُوءِ، وَالْقِيَاسُ وُجُوبُهُ وَيَدُلُّ لَهُ وُجُوبُ قَبُولِ الْهِبَةِ وَعَلَى مَا قَالَهُ يَتَقَيَّدُ الْوُجُوبُ بِمَا سَيَأْتِي فِي وُجُوبِ قَبُولِ الْهِبَةِ الْمُبِيحِ (الثَّانِي الْخَوْفُ فَإِنْ خَافَ) مَنْ بِقُرْبِهِ مَاءٌ (عَلَى) مُحْتَرَمٍ مِنْ (نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مَالٍ) وَلَوْ قَلِيلًا عَلَى مَا مَرَّ (يَصْحَبُهُ) مَعَهُ (أَوْ يُفَارِقُهُ) أَيْ يَخْلُفُهُ فِي رَحْلِهِ (أَوْ) خَافَ (مِنْ انْقِطَاعِ رُفْقَةٍ) أَيْ انْقِطَاعِهِ عَنْهَا وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ (إنْ طَلَبَهُ) شَرْطٌ لِلْخَوْفِ أَيْ فَإِنْ خَافَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرَ إنْ طَلَبَ الْمَاءَ (تَيَمَّمَ) لِفَقْدِهِ شَرْعًا، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] وَجَعَلُوا الْوَحْشَةَ بِانْقِطَاعِ الرُّفْقَةِ هُنَا مُرَخَّصَةً بِخِلَافِهَا فِي الْجُمُعَةِ، وَيُفَرَّقُ بِأَنَّ الطُّهْرَ وَسِيلَةٌ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ وَالْوَسَائِلُ يُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأُصُولِ، وَبِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ وَتَعْبِيرُهُ بِنَفْسٍ وَعُضْوٍ وَمَالٍ شَامِلٌ لِلطَّالِبِ وَلِغَيْرِهِ فَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ تَعْبِيرِ الْأَصْلِ بِنَفْسِهِ وَعُضْوِهِ وَمَالِهِ
(وَكَذَا) يَتَيَمَّمُ (مَنْ فِي سَفِينَةٍ وَخَافَ مِنْ الْبَحْرِ لَوْ اسْتَقَى) عِبَارَةُ الْأَصْلِ وَخَافَ لَوْ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ وَبَيْنَهُمَا تَسَاوٍ إنْ قُدِّرَ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَعْدَ اسْتَقَى مِنْ الْبَحْرِ وَجَعَلَ مِنْ الْبَحْرِ فِي كَلَامِ أَصْلِهِ مُتَنَازَعًا فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ فَبَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ إنْ لُوحِظَ التَّنَازُعُ وَإِلَّا فَعُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ
(وَيَجِبُ اتِّهَابُ الْمَاءِ) عَلَى عَادِمِهِ بِقَيْدٍ زَادَهُ تَبَعًا لِلْمَاوَرْدِيِّ بِقَوْلِهِ (فِي الْوَقْتِ) إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ الْوَاهِبُ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ طَلَبِ الْمَاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَدُّ وَاجِدًا لِلْمَاءِ وَلَا تَعْظُمُ فِيهِ الْمِنَّةُ وَبِهَذَا فَارَقَ عَدَمَ وُجُوبِ اتِّهَابِ الرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهِ لِعَطَشٍ وَلَوْ مَآلًا أَوْ لِغَيْرِهِ حَالًا أَوْ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لَمْ يَجِبْ اتِّهَابُهُ كَمَا اقْتَضَاهُ كَلَامُهُمْ وَنَقَلَهُ الزَّرْكَشِيُّ عَنْ بَعْضِهِمْ وَأَقَرَّهُ
(وَ) يَجِبُ (اقْتِرَاضُهُ وَاسْتِعَارَةُ الْآلَةِ) أَيْ.
ــ
[حاشية الرملي الكبير]
مِنْهَا أَنَّ نَجَاسَةَ مَحَلِّ النَّجْوِ نَاقِضَةٌ لِلطَّهَارَةِ مُوجِبَةٌ لِلتَّيَمُّمِ فَلَمْ يَصِحَّ التَّيَمُّمُ مَعَ وُجُودِهَا بِخِلَافِ غَيْرِهَا كَذَا فَرَّقَ الدَّارَكِيُّ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمُهَذَّبِ وَأَقَرَّهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِهِ وَمِنْهَا أَنَّ نَجَاسَةَ غَيْرِ الِاسْتِنْجَاءِ لَا تَزُولُ إلَّا بِالْمَاءِ فَلَوْ قُلْنَا: لَا يَصِحُّ تَيَمُّمُهُ حَتَّى يُزِيلَهَا لَتَعَذَّرَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إنْ لَمْ يَجِدْ الْمَاءَ بِخِلَافِ الِاسْتِنْجَاءِ لِأَنَّهُ يَرْتَفِعُ حُكْمُهُ بِالْحَجْرِ فَيُمْكِنُهُ تَقْدِيمُ الْحَجْرِ حَتَّى يَصِحَّ تَيَمُّمُهُ فَلَزِمَهُ كَذَا فَرَّقَ الْمُتَوَلِّي فِي التَّتِمَّةِ قَالَ صَاحِبُ الْوَافِي: وَهُوَ فَرْقٌ دَقِيقٌ نَفِيسٌ (قَوْلُهُ: وَالْأَوَّلُ هُوَ الرَّاجِحُ) بَلْ هُوَ الصَّوَابُ (قَوْلُهُ: لَمْ يَعْصِ لِلْعُذْرِ) جَعَلَ فِي التَّتِمَّةِ الضَّابِطَ فِي مَوْضِعِ الْجَزْمِ مَا إذَا صَرَفَهُ إلَى مُبَاحٍ (قَوْلُهُ: فَيَتَّجِهُ إلْحَاقُهُ بِالْإِتْلَافِ بِلَا سَبَبٍ) هُوَ ظَاهِرٌ (قَوْلُهُ: وَبِهَذَا فَارَقَ. . . إلَخْ) إذَا مُتَعَلِّقُ الدَّيْنِ الذِّمَّةُ، وَقَدْ رَضِيَ مَنْ لَهُ الدَّيْنُ بِهَا فَلَمْ يَكُنْ لَهُ حَجْرٌ فِي الْعَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ لَيْسَتْ نَظِيرَ مَسْأَلَتِنَا فَإِنَّهَا عَلَى التَّرَاخِي فَأَشْبَهَ مَا إذَا بَاعَ الْمَالَ بَعْدَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ فَرْضُ الْحَجِّ (قَوْلُهُ: وَلَا تَيَمُّمُهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ) أَيْ أَوْ عَلَى بَعْضِهِ فِي حَدِّ الْقُرْبِ فَرْعٌ
قَالَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ لَوْ خَرَقَ السُّتْرَةَ وَصَلَّى عَارِيًّا فَكَمَا لَوْ أَرَاقَ الْمَاءَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ كَمَا ذَكَرُوا فِي الْمَاءِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ لِلسُّتْرَةِ
(قَوْلُهُ: نَعَمْ لَوْ وَهَبَ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ إلَخْ) هَذَا الِاسْتِدْرَاكُ إنَّمَا يَأْتِي عَلَى رَأْيٍ مَرْجُوحٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِالْهِبَةِ الْفَاسِدَةِ مَضْمُونٌ كَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْأَصَحُّ خِلَافُهُ (قَوْلُهُ: فَمَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مَضْمُونٌ عَلَى الْمُتَّهِبِ) لِأَنَّ الْوَاهِبَ لَا يَصِحُّ تَسَلُّطُهُ عَلَى الْهِبَةِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَمَا ذَكَرُوهُ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ (قَوْلُهُ: وَالْقِيَاسُ وُجُوبُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: وَبِأَنَّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ) سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ فَرْقٌ آخَرُ
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَدُّ وَاجِدًا لِلْمَاءِ) وَلَا تَعْظُمُ الْمِنَّةُ فِيهِ فَإِنْ وَهَبَ لَهُ فَلَمْ يَقْبَلْ وَتَيَمَّمَ لَمْ تَلْزَمْهُ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ مِنْ تَفْوِيتِ التَّحْصِيلِ لَا الْحَاصِلِ وَكَتَبَ أَيْضًا لَوْ كَانَ الْمَاءُ الْمَوْهُوبُ بَاقِيًا وَلَمْ يَرْجِعْ الْبَاذِلُ عَنْ بَذْلِهِ فَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ قَوْلًا وَاحِدًا