للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَالرُّجُوعُ إلَى عَيْنِ مَالِهِ أَوْلَى بِخِلَافِ الْهِبَةِ، وَقَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الصَّدَاقِ يَحْصُلُ فِي الْأَصْلِ بِغَيْرِ رُجُوعٍ وَبِأَنَّ الرُّجُوعَ ثَمَّ لَا يَحْصُلُ بِهِ ضَرَرٌ بِخِلَافِهِ هُنَا فَإِنَّ فِيهِ ضَرَرًا عَلَى بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِالرُّجُوعِ لَوْ عَادَ الْمِلْكُ بِعِوَضٍ وَلَمْ يُوفُوا الثَّمَنَ إلَى بَائِعِهِ الثَّانِي فَهَلْ الْأَوَّلُ أَوْلَى لِسَبْقِ حَقِّهِ أَوْ الثَّانِي لِقُرْبِ حَقِّهِ أَوْ يَشْتَرِكَانِ وَيُضَارِبُ كُلٌّ بِنِصْفِ الثَّمَنِ أَيْ إنْ تَسَاوَى الثَّمَنَانِ فِيهِ أَوْجُهٌ فِي الْأَصْلِ بِلَا تَرْجِيحٍ رَجَّحَ مِنْهَا ابْنُ الرِّفْعَةِ الثَّانِيَ وَبِهِ قَطَعَ الْمَاوَرْدِيُّ وَابْنُ كَجٍّ وَغَيْرُهُمَا.

(وَإِنْ انْفَكَّ الْمَرْهُونُ أَوْ الْجَانِي أَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ رَجَعَ) الْبَائِعُ فِيهِ كَمَا لَوْ اطَّلَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ بِالْمَبِيعِ بَعْدَ رَهْنِهِ ثُمَّ انْفَكَّ الرَّهْنُ لَهُ الرَّدُّ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الِانْفِكَاكِ فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ لِلْمُرْتَهِنِ: أَنَا أَدْفَعُ إلَيْك حَقَّك وَآخُذُ عَيْنَ مَالِي فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا وَجْهَانِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ: وَيَجِبُ طَرْدُهُمَا فِي الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ تَرْجِيحُ الْمَنْعِ (وَلَوْ) كَانَ الْمَبِيعُ شِقْصًا مَشْفُوعًا وَلَمْ يَعْلَمْ الشَّفِيعُ بِالْبَيْعِ حَتَّى (أَفْلَسَ مُشْتَرِي الشِّقْصِ) وَحُجِرَ عَلَيْهِ (أَخَذَهُ الشَّفِيعُ لَا الْبَائِعُ) لِسَبْقِ حَقِّهِ (وَثَمَنُهُ لِلْغُرَمَاءِ كُلِّهِمْ) يُقَسِّمُ بَيْنَهُمْ بِنِسْبَةِ دُيُونِهِمْ (وَإِنْ حَصَلَ) فِي الْمَبِيعِ (نَقْصٌ) بِتَلَفٍ مَا (لَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ) وَكَانَ حُصُولُهُ (بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَكَذَا بِجِنَايَةِ الْمُشْتَرِي) أَوْ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَا يَضْمَنُهَا كَحَرْبِيٍّ (أَخَذَهُ الْبَائِعُ مَعِيبًا أَوْ ضَارَبَ) الْغُرَمَاءَ بِالثَّمَنِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ الْمَبِيعُ بَلْ قَبَضَهُ يَأْخُذُهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا بِكُلِّ الثَّمَنِ أَوْ بِفَسْخٍ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ وَسَوَاءٌ أَكَانَ النَّقْصُ حِسِّيًّا كَسُقُوطِ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ وَالْعَمَى أَوْ غَيْرِهِ كَنِسْيَانِ حِرْفَةٍ وَتَزْوِيجٍ وَإِبَاقٍ وَزِنًا وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ وَلَا يَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ (أَوْ) حَصَلَ النَّقْصُ (بِجِنَايَةِ الْبَائِعِ أَوْ الْأَجْنَبِيِّ) الَّذِي يَضْمَنُ جِنَايَتَهُ (فَلِلْمُفْلِسِ الْأَرْشُ وَلِلْبَائِعِ أَخْذُهُ مَعِيبًا وَيُضَارِبُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ) إلَيْهَا وَإِنْ كَانَ لِلْجِنَايَةِ أَرْشٌ مُقَدَّرٌ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ اسْتَحَقَّ بَدَلًا لِمَا فَاتَ وَكَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْبَائِعِ لَوْ بَقِيَ فَلَا يَحْسُنُ تَضْيِيعُهُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ كُلَّ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالثَّمَنِ فَجَزَاؤُهُ مَضْمُونٌ بِبَعْضِهِ.

وَمَحَلُّهُ فِي جِنَايَةِ الْبَائِعِ إذَا جَنَى بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنْ جَنَى قَبْلَهُ فَهُوَ مِنْ ضَمَانِهِ فَلَا أَرْشَ لَهُ فَلَوْ اشْتَرَى عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ أَوْ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ فَقَطَعَ الْبَائِعُ أَوْ أَجْنَبِيٌّ إحْدَى يَدَيْهِ فَنَقَصَ عَنْ قِيمَتِهِ ثُلُثَهَا فَعَلَى الْقَاطِعِ نِصْفُ الْقِيمَةِ لِلْمُفْلِسِ وَلِلْبَائِعِ ثُلُثُ الثَّمَنِ يُضَارِبُ بِهِ، وَإِنَّمَا ضَارَبَ بِنِسْبَةِ نَقْصِ الْقِيمَةِ دُونَ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ مُخْتَصٌّ بِالْجِنَايَاتِ، وَالْأَعْوَاضُ يَتَقَسَّطُ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ وَلَوْ ضَارَبَ بِالْمُقَدَّرِ لَزِمَ رُجُوعُهُ إلَى الْعَبْدِ مَعَ قِيمَتِهِ أَوْ ثَمَنِهِ فِيمَا إذَا قَطَعَ يَدَيْهِ وَهُوَ مُحَالٌ وَقَوْلُهُ: مِنْ الْقِيمَةِ مُتَعَلِّقٌ بِنَقْصٍ وَقَوْلُهُ مِنْ الثَّمَنِ مُتَعَلِّقٌ بِمِثْلِ (وَإِنْ تَلِفَ مَا يُفْرَدُ بِعَقْدٍ وَيَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ كَعَيْنَيْنِ) اشْتَرَاهُمَا فَتَلِفَتْ إحْدَاهُمَا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَأَفْلَسَ (فَلَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (الرُّجُوعُ فِي) الْعَيْنِ (الْبَاقِيَةِ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ وَالْمُضَارَبَةِ) مَعَ الْغُرَمَاءِ (بِالْأُخْرَى) أَيْ بِحِصَّتِهَا مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ ثَبَتَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي الْبَاقِيَةِ مَعَ الْأُخْرَى فَلَمْ يَسْقُطْ بِتَلَفِهَا بَلْ لَوْ بَقِيَ جَمِيعُ الْمَبِيعِ وَأَرَادَ الْبَائِعُ الْفَسْخَ فِي بَعْضِهِ مُكِّنَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْغُرَمَاءِ مِنْ الْفَسْخِ فِي كُلِّهِ فَكَانَ كَمَا لَوْ رَجَعَ الْأَبُ فِي بَعْضِ مَا وَهَبَ ذَكَرَهُ الْأَصْلُ قَالَ السُّبْكِيُّ تَبَعًا لِابْنِ الرِّفْعَةِ وَلَا يُلْتَفَتُ هُنَا إلَى تَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ مَالَ الْمُفْلِسِ لَا يَبْقَى بَلْ يُبَاعُ كُلُّهُ فَلَا أَثَرَ لِتَفْرِيقِهَا فِيهِ، وَلِأَنَّ الضَّرَرَ عَلَى الرَّاجِعِ فَقَطْ وَلَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ كَأَصْلِهِ، وَيَتَقَسَّطُ عَلَيْهِ الثَّمَنُ نَظِيرَ مَا مَرَّ (وَإِذَا كَانَ قَدْ قَبَضَ نِصْفَ ثَمَنِهِمَا وَقِيمَتِهِمَا سَوَاءٌ رَجَعَ فِي نِصْفِهِمَا إنْ بَقِيَا مَعًا، وَإِلَّا) بِأَنْ بَقِيَتْ إحْدَاهُمَا فَقَطْ (فَفِي) الْعَيْنِ (الْبَاقِيَةِ كُلِّهَا) يَرْجِعُ (بِالْبَاقِي) مِنْ الثَّمَنِ لِانْحِصَارِهِ فِيهَا، وَيَكُونُ مَا قَبَضَهُ فِي مُقَابَلَةِ التَّالِفَةِ كَمَا لَوْ ارْتَهَنَ عَبْدَيْنِ بِمِائَةٍ وَأَخَذَ خَمْسِينَ وَتَلِفَ أَحَدُهُمَا فَالْبَاقِي مِنْهُمَا مَرْهُونٌ بِالْبَاقِي مِنْ الْمِائَةِ بِجَامِعِ أَنَّ لَهُ التَّعَلُّقَ بِكُلِّ الْعَيْنِ إنْ بَقِيَ كُلُّ الْحَقِّ فَكَذَا بِالْبَاقِي إنْ بَقِيَ بَعْضُهُ وَأَمَّا خَبَرُ الدَّارَقُطْنِيِّ «أَيُّمَا رَجُلٍ بَاعَ مَتَاعًا فَأَفْلَسَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَوَجَدَهُ بِعَيْنِهِ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَبَضَ مِنْ ثَمَنِهِ شَيْئًا فَهُوَ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ» فَأُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ.

(فَرْعٌ وَإِنْ أَغْلَى زَيْتًا أَوْ عَصِيرًا فَنَقَصَهُ) بِالْإِغْلَاءِ وَأَفْلَسَ (فَكَتَلَفِ بَعْضِهِ) بِغَيْرِ الْإِغْلَاءِ كَمَا لَوْ انْصَبَّ لَا كَتَعَيُّبِهِ فَلَوْ ذَهَبَ نِصْفُهُ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَضَارَبَ بِنِصْفِهِ أَوْ ذَهَبَ ثُلُثُهُ أَخَذَهُ بِثُلُثَيْ الثَّمَنِ وَضَارَبَ بِثُلُثِهِ وَوَقَعَ فِي الْغَصْبِ مَا يُخَالِفُ مَا ذُكِرَ هُنَا فِي الْعَصِيرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ثَمَّ (فَإِنْ أَغْلَى أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ) مِنْ ذَلِكَ (قِيمَتُهَا ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

قَوْلُهُ رَجَّحَ مِنْهُمَا ابْنُ الرِّفْعَةِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ وَكَتَبَ عَلَيْهِ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَابِلِ الْأَصَحِّ (قَوْلُهُ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَا وَجْهَانِ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِ الثَّانِي (قَوْلُهُ: أَخَذَهُ الشَّفِيعُ لَا الْبَائِعُ) قَالَ الْبُلْقِينِيُّ: لَوْ عَفَا الشَّفِيعُ عَنْ الْأَخْذِ فَالْقِيَاسُ أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ حَقُّ الْبَائِعِ وَيَرْجِعُ حِينَئِذٍ كَمَا فِي الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ اهـ وَقَوْلُهُ: فَالْقِيَاسُ إلَخْ أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ وَيُضَارِبُ بِمِثْلِ نِسْبَةِ مَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ مِنْ الثَّمَنِ إلَيْهَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَأْخُذْ الْمُفْلِسُ الْأَرْشَ مِنْ الْجَانِي (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمُفْلِسَ اسْتَحَقَّ بَدَلًا لِمَا فَاتَ إلَخْ) هَذَا التَّعْلِيلُ يُوهِمُ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا أَخَذَ الْبَدَلَ وَلَيْسَ بِمُرَادٍ بَلْ الْغَرَضُ أَنَّهُ تَوَجَّهَ لَهُ الْبَدَلُ عَلَى الْجَانِي الْمُلْتَزِمِ سَوَاءٌ أَخَذَهُ أَمْ تَعَذَّرَ أَخْذُهُ بِالْكُلِّيَّةِ نَعَمْ لَوْ كَانَ الْجَانِي غَيْرَ مُلْتَزِمٍ كَالْحَرْبِيِّ أَوْ الدَّافِعِ لِلصَّائِلِ فَكَالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ وَقَدْ سَبَقَ مِثْلُهُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَقَدْ أُورِدَ عَلَى التَّعْلِيلِ أَنَّ قَضِيَّتَهُ أَنَّ الْبَائِعَ يَأْخُذُ ذَلِكَ الْأَرْشَ وَأَجَابَ صَاحِبُ الْبَيَانِ بِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَسْتَحِقُّ الْأَرْشَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ مَا قَابَلَ ذَلِكَ الْجُزْءَ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ إذَا أَتْلَفَ جَمِيعَ الْمَبِيعِ لَمْ يَرْجِعْ الْبَائِعُ بِمَا وَجَبَ عَلَى الْجَانِي مِنْ الْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ بِالثَّمَنِ، وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: إنْ كَانَ الْأَرْشُ بَاقِيًا عَلَى الْجَانِي لَمْ يَأْخُذْهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ أَنْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَخْتَصَّ بِأَخْذِهِ، وَلَا تُشَارِكُهُ فِيهِ الْغُرَمَاءُ، وَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي أَخَذَهُ، وَاسْتَهْلَكَهُ ضُرِبَ الْبَائِعُ بِقَدْرِ الْأَرْشِ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهْلِكْهُ تَقَدَّمَ بِهِ عَلَى الْغُرَمَاءِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>