للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فَإِنْ فَسَّرَهَا) أَيْ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا (بِفُلُوسٍ لَمْ يُقْبَلْ) وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَبُولُ التَّفْسِيرِ بِهَا، وَإِنْ فَصَلَهُ عَنْ الْإِقْرَارِ إذَا غَلَبَ التَّعَامُلُ بِهَا بِبَلَدٍ بِحَيْثُ هُجِرَ التَّعَامُلُ بِالْفِضَّةِ، وَإِنَّمَا تُؤْخَذُ عِوَضًا عَنْ الْفُلُوسِ كَالدِّيَارِ الْمِصْرِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَانِ (أَوْ بِنَاقِصَةٍ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الدَّرَاهِمِ الْإِسْلَامِيَّةِ كَدِرْهَمٍ شَامِيٍّ (أَوْ مَغْشُوشَةٍ وَدَرَاهِمِ الْبَلَدِ) أَيْ بَلَدِ الْإِقْرَارِ (كَذَلِكَ) أَيْ نَاقِصَةٍ أَوْ مَغْشُوشَةٍ (قُبِلَ مُتَّصِلًا) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ وَالْعُرْفَ يَصْرِفَانِهِ إلَيْهِ (وَكَذَا مُنْفَصِلًا) حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ فَلَوْ لَمْ يُفَسِّرْهَا وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَالصَّوَابُ، وَهُوَ الْمَنْقُولُ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ مِنْ دَرَاهِمِ الْبَلَدِ كَمَا فِي الْمُعَامَلَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِخِلَافِهِ وَلَا يُغْتَرُّ بِمَا زَعَمَهُ الْإِسْنَوِيُّ أَيْ فِي الْمُهِمَّاتِ مِنْ نَقْلِ مَنْ يُخَالِفُهُ. انْتَهَى.

وَقَضِيَّةُ التَّوْجِيهِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ دَرَاهِمُ الْبَلَدِ أَكْثَرَ مِنْ دَرَاهِمِ الْإِسْلَامِ كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ، وَقَضِيَّةُ الثَّانِي خِلَافُهُ (أَوْ) فَسَّرَهَا بِمَا ذُكِرَ وَدَرَاهِمُ الْبَلَدِ (تَامَّةٌ أَوْ نُقْرَةٌ قُبِلَ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا) كَالِاسْتِثْنَاءِ فِيهِمَا؛ وَلِأَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ صَرِيحٌ فِيهِ وَضْعًا وَعُرْفًا فَلَا يُقْبَلُ مُنْفَصِلًا إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ (أَوْ فَسَّرَهُ) أَيْ مَا أُقِرَّ بِهِ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ أَوْ فَسَّرَهَا (مِنْ الْفِضَّةِ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ) بِدَرَاهِمَ (سِكَّتُهَا غَيْرُ جَارِيَةٍ فِي) ذَلِكَ (الْبَلَدِ قُبِلَ تَفْسِيرُهُ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ ثَوْبٌ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِجِنْسٍ رَدِيءٍ أَوْ بِمَا لَا يَعْتَادُ أَهْلُ الْبَلَدِ لُبْسَهُ وَيُخَالِفُ تَفْسِيرَهُ بِالنَّاقِصِ لِرَفْعِ بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِ بِخِلَافِهِ هُنَا وَيُخَالِفُ الْبَيْعَ حَيْثُ يُحْمَلُ عَلَى سِكَّةِ الْبَلَدِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنْشَاءُ مُعَامَلَةٍ، وَالْغَالِبُ أَنَّهَا فِي كُلِّ بَلَدٍ تَقَعُ بِمَا يَرُوجُ فِيهَا، وَالْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ حَقٍّ سَابِقٍ يُحْتَمَلُ ثُبُوتُهُ بِمُعَامَلَةٍ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَيُرْجَعُ إلَى إرَادَتِهِ. (وَقَوْلُهُ) لَهُ عَلَيَّ (دُرَيْهِمٌ) بِالتَّصْغِيرِ (أَوْ دِرْهَمٌ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ كَدِرْهَمٍ) عَارٍ عَلَى ذَلِكَ (وَالْجَمْعُ) الْمَوْصُوفُ بِتَصْغِيرٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقَوْلِهِ دُرَيْهِمَاتٌ أَوْ دَرَاهِمُ صِغَارٌ أَوْ كِبَارٌ (كَالْجَمْعِ) الْعَارِي عَنْ ذَلِكَ فَيَأْتِي فِي تَفْسِيرِهِ بِالنَّقْصِ وَغَيْرِهِ التَّفْصِيلُ السَّابِقُ وَلَيْسَ التَّقْيِيدُ بِالصِّغَرِ كَالتَّقْيِيدِ بِالنُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الدِّرْهَمِ صَرِيحٌ فِي الْوَازِنِ وَالْوَصْفُ بِالصِّغَرِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّكْلِ، وَأَنْ يَكُونَ بِالْإِضَافَةِ إلَى غَيْرِهِ وَقِسْ بِذَلِكَ الْوَصْفَ بِغَيْرِ الصِّغَرِ.

(فَرْعٌ: يَجِبُ بِقَوْلِهِ) لَهُ عَلَيَّ (دَرَاهِمُ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ ثَلَاثَةٌ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ (وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهَا فِي الْوَزْنِ) بَلْ يَكْفِي أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ زِنَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ (وَ) يَجِبُ (بِقَوْلِهِ) لَهُ عَلَيَّ (أَقَلُّ عَدَدِ الدَّرَاهِمِ دِرْهَمَانِ) ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ هُوَ الْمَعْدُودُ، وَكُلُّ مَعْدُودٍ مُتَعَدِّدٌ فَيَخْرُجُ عَنْهُ الْوَاحِدُ قَالَهُ الرَّافِعِيُّ (وَ) يَجِبُ (بِقَوْلِهِ) لَهُ عَلَيَّ (مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ أَنْ تَكُونَ وَازِنَةً بِوَزْنِ الْإِسْلَامِ صِحَاحًا) فَلَا يُقْبَلُ مِائَةٌ بِالْعَدَدِ نَاقِصَةُ الْوَزْنِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ نَقْدُ الْبَلَدِ) عَدَدًا (نَاقِصًا فَيُقْبَلُ مِنْهُ) حَمْلًا عَلَى الْمَعْهُودِ (وَ) يَجِبُ فِي إقْرَارِهِ (بِمِائَةٍ عَدَدٌ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْعَدَدُ فَقَطْ) أَيْ دُونَ الْوَزْنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ مِائَةُ دِرْهَمٍ قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ فَالْقِيَاسُ لُزُومُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ نَاقِصَةٍ إنْ كَانَ عَدَدٌ مَجْرُورًا بِالْإِضَافَةِ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ إلَى الْفَهْمِ وَكَذَا إنْ كَانَ مَنْصُوبًا؛ لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمِائَةِ، وَإِنْ كَانَ مَرْفُوعًا فَالْقِيَاسُ أَنَّ الْمِائَةَ مُبْهَمَةٌ وَيَلْزَمُهُ تَفْسِيرُهَا بِمَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمَيْنِ عَدَدًا لَا وَزْنًا كَنَظِيرِهِ فِيمَا مَرَّ فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفُ

ــ

[حاشية الرملي الكبير]

(قَوْلُهُ: وَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ قَبُولُ التَّفْسِيرِ بِهَا) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ، وَكَتَبَ عَلَيْهِ قَالَ الزَّنْجَانِيُّ فِي شَرْحِ الْوَجِيزِ إنْ كَانَ فِي بَلَدٍ لَيْسَ لَهُمْ نَقْدٌ إلَّا الْفُلُوسَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يُقَالَ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِهَا فَإِنْ سَاعَدَهُ النَّقْلُ فَذَاكَ، وَإِلَّا فَلِلِاحْتِمَالِ فِيهِ مَجَالٌ، قَالَ شَيْخُنَا هُوَ كَمَا قَالَ وَيُمْكِنُ حَمْلُ كَلَامِ الْعِرَاقِيِّ عَلَيْهِ. (قَوْلُهُ: مِنْ نَقْلِ مَا يُخَالِفُهُ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: كَانَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ) أَشَارَ إلَى تَصْحِيحِهِ (قَوْلُهُ: كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ دَرَاهِمُ دَرَاهِمُ) جَمْعُ كَثْرَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ تَفْسِيرُهَا إلَّا بِأَحَدَ عَشَرَ. وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا لَهُ صِيغَتَانِ إحْدَاهُمَا لِلْكَثْرَةِ وَالْأُخْرَى لِلْقِلَّةِ أَمَّا مَا لَا صِيغَةَ لَهُ إلَّا جَمْعَ الْكَثْرَةِ فَهُوَ مُشْتَرَكٌ يُطْلَقُ عَلَى الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ وَدَرَاهِمُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَلِذَا عَمِلُوا الْقِلَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ الْمُتَيَقَّنُ قَالَ شَيْخُنَا ظَاهِرُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي أَنَّ مَا لَهُ صِيغَتَانِ كَأَفْلُسٍ وَفُلُوسٍ أَنْ يَلْزَمَ فِيهِ أَحَدَ عَشَرَ. وَالْأَوْجَهُ لُزُومُ الْمُتَيَقَّنِ مُطْلَقًا كَا (قَوْلِهِ: وَلَا يُشْتَرَطُ تَسَاوِيهِمَا فِي الْوَزْنِ) أَيْ لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِسِتَّةِ دَوَانِيقَ كَمَا فِي الْبَيْعِ (قَوْلُهُ: وَيَجِبُ بِقَوْلِهِ مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ إلَخْ) قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فِي بَعْضِ نُسَخِ الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا مِائَةُ دِرْهَمٍ عَدَدٌ، وَفِي بَعْضِهَا عَدَدًا، وَهُوَ الصَّوَابُ، وَمَا فِي التَّهْذِيبِ وَتَعْلِيقِ الْقَاضِي الْحُسَيْنِ وَشَرْحِ التَّلْخِيصِ وَالنِّهَايَةِ (قَوْلُهُ: قَالَ الْإِسْنَوِيُّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ أَقَلَّ الْعَدَدِ اثْنَانِ إلَخْ) ، وَمَا ذَكَرَهُ الْإِسْنَوِيُّ مَرْدُودٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ فِي الْأَحْوَالِ الْأَرْبَعَةِ، وَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ أَيْ لَيْسَتْ وَازِنَةً، وَكَتَبَ أَيْضًا اعْتِرَاضَهُ ابْنُ الْعِمَادِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ. أَحَدُهُمَا حُكْمُهُ عَلَى عَدَدِ الْمُمَيِّزِ لِلْمِائَةِ بِأَنَّهُ جَمْعٌ أَقَلُّهُ اثْنَانِ حَتَّى يَلْزَمَهُ مِائَتَانِ خَطَأٌ صَرِيحٌ لَا شُبْهَةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمِائَةَ تُمَيَّزُ بِمُفْرَدٍ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ اللُّغَةِ فَعَدَدُ الْمُمَيِّزِ لَيْسَ جَمْعًا دَائِمًا بِمَعْنَى مَعْدُودِ الثَّانِي أَنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ بَيْنَ عَدَدِ الْمُمَيِّزِ الْمَنْصُوبِ وَبَيْنَ الْمَجْرُورِ فَرْقًا مَعَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ كَمَا تَقُولُ رِطْلٌ زَيْتًا وَرِطْلُ زَيْتٍ نَعَمْ فَرَّقَ ابْنُ قُتَيْبَةَ بَيْنَ الْمَجْرُورِ وَالْمَنْصُوبِ فِي الظَّرْفِ وَالْمَظْرُوفِ فَقَالَ إذَا قَالَ عِنْدِي ظَرْفٌ عَسَلًا كَانَ إقْرَارًا بِالْمَظْرُوفِ دُونَ الظَّرْفِ، وَإِنْ قَالَ ظَرْفُ عَسَلٍ كَانَ إقْرَار بِالظَّرْفِ دُونَ الْمَظْرُوفِ، وَذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يَأْتِي هُنَا.

وَأَمَّا اسْتِشْهَادُهُ بِمِائَةِ ثَوْبٍ فَخَارِجٌ عَنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ؛ لِأَنَّ ثَوْبًا لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْعَدَدِ الثَّالِثِ، قَوْلُهُ: إنَّهُ إذَا رَفَعَ الْمِائَةَ وَالدِّرْهَمَ أَنَّ الْقِيَاسَ أَنَّهُ يَلْزَمُ تَفْسِيرُ الْمِائَةِ بِمَا لَا تَنْقُصُ قِيمَتُهُ عَنْ دِرْهَمَيْنِ خَطَأٌ بِنَاءً عَلَى الْفَسَادِ السَّابِقِ بَلْ الصَّوَابُ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ فَكَأَنَّهُ تَلَفَّظَ بِقَوْلِهِ عَلَيَّ مِائَةٌ مَعْدُودَةٌ أَيْ لَيْسَتْ وَازِنَةً، وَلَيْسَ هَذَا نَظِيرَ قَوْلِ الرَّافِعِيِّ أَلْفُ دِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ دِرْهَمًا مُفْرَدٌ، وَهُوَ عَطْفُ بَيَانٍ لِلْأَلْفِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَلْفٌ لَا تَنْقُصُ عَنْ دِرْهَمٍ وَتِلْكَ الْأَلْفُ قِيمَتُهَا دِرْهَمٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>