للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي الحديث الحسن (١)؛ أنّ أعرابيُّا أَتَى النَّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - فَوَجَدَهُ في المسجدِ، فقال له: يا رسولَ الله، أتَينَاكَ وما لنا بعيرٌ ينضحُ، ولا صبيٌّ يصطبح. ثمَّ أنشد يقول:

أتَينَاكَ والعَذْرَاءُ يَدْمَى لَبَانُها ... وقد شُغِلَت أمُّ الصَّبِيِّ عن الطِّفلِ

وأَلقَى بِكَفَّيهِ الصّغيرُ (٢) استكانَةً ... من الجُوعِ موتًا (٣) ما يُمِرُّ وما يُحْلِي

ولا شيءَ ممّا يأكُلُ النَّاسُ عِنْدَنَا ... سِوَى الحَنْظَلِ المأكولِ في زَمَنِ المَحْلِ (٤)

وليس لنا إلَّا إليك وسيلةٌ (٥) ... وأين فرارُ الخَلقِ (٦) إلَّا إلى الرُّسْلِ

قال: فقام رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - يجُرُّ رِدَاءَهُ حتَّى صَعِدَ المنبرَ، فرفع يَدَيهِ، فَحمِدَ الله وأَثْنَى عليه، وشَخَصَ بِبَصِرِه نحو السَّماء، وجعل يقول: "اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيثًا سريعًا غَدَقًا، مَرِيعًا طيبًا، هطلًا غيرَ رائثٍ، نافعًا غيرَ ضَارٍّ"، تملأُ به الضَّرْعَ، وتُنْبِتُ به الزَّرْعَ، وتُحِيي به الأرضَ بعد مَوْتِها، وكذلك تُخْرَجُونَ". فو اللهِ ما ردَّ يَدَيهِ إلى نَحرِهِ حتَّى أَلْقَتِ (٧) السَّماءُ بأوْدَاقِهَا، وجاءَ المطرُ من كلِّ مكانٍ كأفْواه القِرَبِ، وجاءَ النَّاسُ والمَطَرُ قد دامَ منَ الجُمُعَةِ إلى الجمعة، وجاءَ أهل البطاح (٨) يَصِيحُونَ: يا رسول الله، الغَرَق الغَرَق. قال: فرفَع رسولُ الله يَدَيْه نحو السَّماء، وجعل يقول: "اللَّهُمَّ حَوالَيْنَا لا عَلَينَا" قال: فانجَابَ (٩) السّحابُ إلى المدينة انجِيَابَ الثَّوْبِ الخَلِقِ، حتّى أَحْدَقَ بها كالإكْليلِ، فضَحِك رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - حتّى بدَت نَوَاجِذُه، ثمّ قال: "للهِ دَرُّ أبي طالبٍ، لو كان حَيًّا لقرَّت عيناه". فقال علىّ رضي الله عنه: لَعَلَّكَ يا رسول الله تريدُ قولَهُ:

وأبيضَ يُسْتَسْقى الغَمَامُ بوجهِهِ ... ربيعُ اليتامى عصمةٌ للأراملِ

يلوذُ به الهُلَّاكُ من آلِ هاشمٍ ... فهم عندَهُ في نعمةٍ وفَواضِلِ


(١) الّذي رواه الطبراني في الدُّعاء (٢١٨٠)، والبيهقي في دلائل النبوة ٦/ ١٤٠ - ١٤٢، من حديث أنس بن مالكٌ، وأورده ابن عدي في الكامل: ٣/ ٤٠٨، وابن عبد البرّ في التمهيد: ٢٢/ ٦٣ - ٦٤، ويقول عنه ابن حجر في الفتح: "وإسناد حديث أنس وإن كان فيه ضعف، لكنّه يصلح للمتابعة".
(٢) في الدُّعاء للطبراني: "الفَتَى" ودلائل النّبوة: "الصّبيّ"، وفي التمهيد: "وخرّ".
(٣) جـ: "حتّى من الجوع"، غ: "من الجوع حتّى" والمثبت من التمهيد. وفي الدُّعاء للطبراني: "صعفًا" بدل "موتا".
(٤) في الدُّعاء للطبراني والدلانل والتمهيد: "سوى الحنظل العامي والعلهز الفسْل".
(٥) في الدُّعاء للطبراني والدلائل والتمهيد: "إليك فرارنا".
(٦) في الدُّعاء والدلائل والتمهيد: "النّاس".
(٧) جـ، ف: "التفت" والمثبت من الدُّعاء للطبراني.
(٨) جـ، ف: "النضح" والمثبت من الدُّعاء والتمهيد.
(٩) جـ، ف: " انجابت" والمثبت من المصدرين السابقين.

<<  <  ج: ص:  >  >>