للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بمقدار، عالم الغيب والشّهادة العزيز الغفار. المنزل الغَيْثِ من السّماء، والضّامِن لأقوات الوَرَى، النّاشر لرحمته، والعائد على خَفقِه بالنِّعمَة، والكاشف للكُرْبَة، والمُتَغَمِّد بحِلْمِهِ ذنوب المُذنِبينَ، والمادِّ جناح ستره على العاصين، الّذي شملَ فضلُه جميع العالَمِين من بريَّته منَ أهل طاعته ومعصيته، وعمَّ جُودُه جميع العَالَمين، كلُّ ذلك بفضل نبيه محمّد سيّد المُرسَلِين - صلّى الله عليه وسلم - وعلى آله وأهل بيته الطَّيِّبِين.

أيها النّاس، اعلموا أنّه مَنْ أنعمَ عليه بنعمةٍ فلم يشكره، ابتلاهُ ببلاء يعجزُ عنه صبرُه، ومن استعتبَ فله العتاب، ومن أحسن فله الحُسْنَى، وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم، ويعفو عن كَثيرٍ، وقد أصابتكم مصيبةٌ عظماء (١). ونزلت بكم نازلة دهماء (٣)، وحلت بكم رزيّة كرباء (٢). وذلك (٣) أنكم بَدَّلْتُم بِلينِ الأسعار شدَّتها، ويِبَسْطِ النِّعَم قبضها، وبرطوبة الأرضِ جَدْبَها، وأَمسَكَتِ السماءُ عنكم مطرها وبركتها، وفَوَّقَتْ إليكم الرَّزايا سِهَامَها، وأفضت إليكم المنايا حِمَامَها. فأنتم بقليل العيش تفرحونَ. وعلى سَيِّءِ الأعمال لا تبكون ولا تَنْتَحِبُون، فإنّا للهِ وإنّا إليه راجعون. كلُّ ذلك بتركِكُمُ التَّفَكُر في الآخرة، واشتغالكم بالأعمال الخَاسرة، وحلفكُم بالأَيْمان الفاجرة، فضعُف يَقينكم (٤)، وكثرت ذنوبُكُم، وظهرت عُيُوبُكُم، ولم تُحْسِنُوا إلى فقرائكم، وبَعُدَت آمالُكُم، وتمادَيتُم في طُغيَانِكُم. أَذْهَبتُمُ الأمانةَ، وأظهرتُمُ الخيانة، وأخذتم نِعَمَ اللهِ بقِلَّةِ الشُّكر، أَطَلْتُمُ الأملَ، وقصَّرتمُ العملَ حتّى أتاكم الأجل، إنّما خَلَقكُم لتعبدوهُ، ورزَقَكُم لتشكرُوهُ، وأَنْذَرَكُم لتخافُوهُ، ودعاكُم لتُجِيبُوه، وقرَّبَكُم لتُطِيعُوهُ، وأَمهَلَكُم لتستغفرُوهُ، وحذركُم لترجوهُ، لئلّا يكون للنّاس على الله حُجَّة بعدَ الرُّسُل، استحللتم الرّيبة، وأَظهَرْتُم (٥) الغِيبَة، وفعلتم كلّ عجيبة، وعَظُمت في أيديكم المُصِيبَة. قلَّلْتُم صدقاتِكُم، ومنعتم زكواتِكُم، وكَثَّرْتُم سيِّئاتِكُم. وزَهَدْتُم في المعروف، ولم تغيثوا (٦) الملهوف، وقطعتم دَهرَكُم بالتَّواني، وأفسدتم أعماركم بالأَمَانِي، بسوف ولعَلَّ وعسى، ونَسيتم العرضَ على الموَلى، والوقوف بين


(١) جـ: "عُظمَى ... دَهمَى".
(٢) غ: "كبرى".
(٣) غ: "وذلكم ".
(٤) جـ: "فضعفت بغيتكم".
(٥) جـ: "وسترتم".
(٦) غ: "تعبنوا".

<<  <  ج: ص:  >  >>