للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في حق شخصٍ واحدٍ في وقتٍ واحدٍ، فإن ذلك مستحيلٌ؛ لأنّ ذلك من باب تكليف المُحَالِ. فإن وردَا، فَأَحدهما ناسخٌ للآخر. وأمّا إنِ اختلفَ الفعلانِ، فلا تضَادَّ بينهما لذاتِهِما، كالقولين أيضًا لا تضادَّ بينهما لذاتيهما، فلا تعارض بينهما إلَّا أنّ يقتضيا بيان معنى ويتعلَّقا في بيانه تعلُّقَ القولين كما قدَّمْنَا، فالحُكمُ فيهما واحدٌ.

وأمّا إذا تعارض القولُ والفعلُ، فقال قوم: يُقَدَّمُ القولُ لأنّه عَامٌّ، والفعْلُ مُخْتَصُّ بالنبي - صلّى الله عليه وسلم - فيقف عليه، ولا يكون هنالك تعارضٌ، وهذا كلامٌ إنّ ظَهَرَ عند الإطلاق لم يصحّ عند السَّبْر والتّقسيم لنُكْتَةٍ بديعة، وهي أنّ كلَّ أَمْرٍ واردِ من جهة الله تعالى على النّبيِّ (١) بتكليف الخَلْقِ، فإنّ النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - داخلٌ فيه، يلزمه من ذلك ما يلزمهم، وهي مسألة خلافٍ في أصول الفقه، هل يدخل الآمِرُ تَحْتَ الأوامر أم لا؟ وهي مسألة مُعْضِلةٌ، قد بيّنّاها في أصول الفقه، فهذا ثبت أنّ (٢) النّبيَّ - صلّى الله عليه وسلم - داخلٌ في الأمر مع الخَلْقِ، ثمّ ثبت أنّه تركَ ذَلِكَ، فذلك نَسْخٌ في حَقِّه، وبَقِيَ أنّ يُنْظر هل يكون نَسْخًا (٣) في حقِّ غيره أم لا؟ والصّحيح أنّ النَّسْخَ مقصورٌ عليه، إلَّا أنّ يدلُّ الدَّليلُ على تَعَدِّيه، وقد دَلَّ الدَّليلُ الصّحيح (٤) العامّ (٥) على تَعَدِّيه إلى غيره، فقال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (٦) فارشدنا إلى الاقتداء به، وثبتَ بالتّواتُر المعنَوِيِّ أنّ الصّحابة - رضوان الله عليهم- كانوا يلجاون إلى فعله عند المشكلات كما يلجاون إلى قوله، فهذا ثبت هَذَا وصَحَّ جواز الاستدبار في البُنْيان، فجوازُ الاستقبال يؤخذ من طريقين:

أحدهما: طريق المعنى، وهو قياس الاستقبال على الاستدبار في البُنْيان في جوازه، كما استوى الاستقبال والاستدبار في الصّحراء في (٧) منعه. وتحريره أنّ نقول: الاستقبال في البنيان أحد القَصْدَين إلى الكعبة للحاجة، فاستوى حكمها في محلّها، كالاستقبال والاستدبار في الصّحراء والبُنْيَان.


(١) - صلّى الله عليه وسلم -.
(٢) غ، جـ: "ثبت هذا أنّ" والمثبت من القبس.
(٣) غ: "هل هو نسخ".
(٤) "الصّحيح" ساقطة من: غ، والقبس.
(٥) غ، جـ: "المعلم" والمثبت من القبس.
(٦) الأحزاب: ١٢١.
(٧) غ: "أو إلى"،جـ: "إلي" والمثبت من القبس.

<<  <  ج: ص:  >  >>