للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما يوافِق طبعه ويخفّ عليه، فربّما تَكَلَّفَ ما يخالِف طبعه ويشقّ عليه، ويقطعه ذلك عن القراءة والإكثار منها، وليس هذا ممّا يخالِفُ ما قدَّمْنَاهُ من تَفْضِيل التّرتيل لمن تساوى في حال الأمرين" (١).

المسألة الثّالثة:

والنّاسُ في التِّلاوةِ على ثلاث مقاماتِ:

أعلاهم مَنْ شهِدَ أوصاف المتكلِّم في كلامه وتعريف خطئه، وهذا مقام العَارِفِينَ من المُقَرَّبِين. ومنهم من يشهد أنّ الله سبحانه هو الّذي يُنَاجِيهِ بأَلْطَافِه، ويخاطبه بإنعامه وإحسانه، فمقامُ هذا الحياء والتّعظيم، وحَالُهُ الإصغاء والفَهْم، وهذا للمُعْتَرِفِينَ (٢) من عُمُومِ المُقَرَّبِينَ.

ومنهم من يرى أنّه يخاطبُ بالكلام؛ لأنّه سبحانه متكلِّمٌ بكلامِ نَفْسِهِ، وليس ذلك للعَبْدِ، وإن كان كلامه كلامًا، وإنّما جعل له حركة اللِّسان بوَصْفِهِ، وتبيين الذِّكْر بلسانه، بِحِكمَةِ ربِّه، جزاءً للعبد ومَكَانًا له، كما كانتِ الشّجرة وِجْهَة موسى عليه السّلام إذْ كلَّمَهُ ربّه.

المسألة الرّابعة: في صِفَةِ الجَهْرِ بالقراءةِ، وما في ذلك من النّبات، وتفضيلِ حُكْمِ الجَهْرِ والسِّرِّ، وبيان حُكمِ الحالات

والأخبارُ في ذلك كثيرةٌ، منها في الصّحيح أخبارٌ حِسَانٌ. رُوي أنّه قال: "فضلُ قراءَةِ السِّرِّ على العَلاَنِيةِ كَفَضلِ صَدَقَةِ السِّرِّ على صَدَقَةِ العَلاَنِيةِ" (٣).

وفي لفظٍ أشهر من هذا: "الجاهِرُ بالقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بالصَّدَقَةِ، والمُسِرُّ بهِ كَالْسِرِّ بِالصَّدَقَةِ" (٤).

وفي الحديث الحسن؛ "أنّ عَمَلَ السِّرِّ يفضلُ على عمل العلانية بسبعين


(١) في المنتقى: "في حاله الأمران".
(٢) ويمكن أنّ تقرأ: "للمغترفين".
(٣) أخرجه ابن المبارك في الزهد (٢٥)، والطبراني في الكبير (٨٩٩٩)، وابن حيان في طقات المحدثين بأصبهان ٣/ ٤٥٦ من حديث عبد الله بن مسعود. بلفظ: "فضل صلاة الليل على صلاة النهار ... ".
(٤) أخرجه أحمد: ٤/ ١٥١، ١٥٨، وأبو داود (١٣٣٣)، والترمذي (٢٩١٩) وقال: "هذا حديث حسنٌ غريب" والنّسائي: ٣/ ٢٢٥، وابن حبَّان (٧٣٤)، والبيهقي: ٣/ ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>