للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأصول:

قال الإمام: الحديثُ من إحدى معجزات النّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - لأنّه أَخْبَرَ بِارْتدَادِ من يَأْتِي بعدَهُ.

وفيه (١): دليلٌ لِمَنْ يَرَى أنَّ البِدَعَ لا تُذْهِبُ الإيمانَ ولا يكفُر صاحِبُها. وقد اختلفَ العلماءُ في تَكْفِيرِ المتأَوِّلِينَ، وهم الّذينَ لا يقصِدُون الكُفْرَ، إنّما يَطلبون الإيمانَ فيخرجونَ إلى الكُفْرِ، وعِلْمُهُم يَؤُول بهم إلى الجهل. وهي مسألةٌ عظيمةٌ تتعارضَ فيها الأدِلّة، ولقد نظرتُ فيها مرارًا؛ فتارةً أُكَفِّر، وتارةً أَقِفُ، إِلَّا فيمن يقول: إنَّ القرآنَ مخلوقٌ، وإنّ مع اللهَ خَالِقًا سِوَاهُ، فلا يدركني فيه ريب، ولا أُبْقِي له شيئًا من الإيمان.

الفقه والفوائد المنثورة في هذا الحديث:

الفائدة الأولى (٢):

أوّل ما في الحديث من المعاني: أنّ الخوارجَ إنّما قيل لهم خوارج لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "يَخْرُجُ فِيكُمْ" ومعنى، "فيكم" أي عليكم (٣)، كما قال تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} (٤) فكان خروجُهُم ومُروقُهُم في زمان الصّحابة، فسُمُّوا الخوارج، من قوله: "يَخْرُجُ فِيكُمْ".

وسمُّوا أيضًا: "المارقة" (٥) لقوله: "يَمْرُقُونَ مِن الدِّينِ" ولقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "تَقْتَتِلُ طائفتَانِ من أُمَّتِي، فَتَمْرُقُ بينهما مارِقَةٌ تَقْتُلُها أُولَى الطَّائفتين بالحَقِّ" (٦).

فهذا هو الأصلُ الّذي سُمِّيَتْ به الخوارج والمارقة (٧).


(١) انظر الكلام التالي في القبس: ١/ ٤٠٤.
(٢) القسم الأوّل من هذه الفائدة مقتبس من الاستذكار: ٨/ ٨١ - ٨٢.
(٣) قال ابن وضّاح: "لما قال - صلّى الله عليه وسلم -: "يخرجُ فيكم قوم" ولم يقل: "يخرجُ عليكم" دلّ على أنّهم من المسلمين" حكاه عن ابن وضاح القنَازعيُّ في تفسير الموطّأ: الورقة ٥٢.
(٤) طه:٧١.
(٥) انظر كتاب الزينة لأبي حاتم الرّازي [القسم الثّالث]: ٢٧٦ - ٢٧٨.
(٦) أخرجه- مع اختلاف في الألفاظ- مسلم (١٠٦٥) من حديث أبي سعبد الخدري.
(٧) هنا ينتهي النّقل من الاستذكار.

<<  <  ج: ص:  >  >>