للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهم طائفةٌ خرجت على المسلمين وخالفتهمِ، وتعلَّقَت بظاهر الكتاب بزَعْمِها، ونبذَت القول بالرَّأيِ الّذي (١) هو أسُّ الشّريعة وقد أمَرَ اللهُ به، وأجمعتِ الصَّحابةُ على صِحَّتِهِ، فقالت هذه الفرقة: لا حُكْمَ إلَّا الله ورسوله، فقال علي - رضي الله عنه -: كَلِمَهُ حَقٍّ أُرِيدَ بها باطِلٌ (٢). ونَاظَرَهُم في ذلك ابنُ عبّاس فقال: إنّ اللهَ قد حَكمَ بين الزَّوجين، وفي جَزَاء الصَّيْدِ، فأَنْ يَحْكُم بين الطائفتين أَوْلَى. فلم يَلْتفِتُوا إلى كلامه، وخرجوا على المسلمين بأَسيافهم، وافترقوا على مذاهب جَمَّة.

الفائدة الثّانية:

قال الخطّابي (٣): "اعلم أنَّ الفرقة فرقتان: فرقة الآراء والأديان، وفرقة الأشخاص والأبدان. والجماعة جماعتان: جماعة الهُدَى وهي (٤) الأيِمَّة والأمراء، وجماعة العامّة والدَّهماء.

فأمّا الافتراق في الآراء والأديان، فهو محظورٌ في العقول، مُحَرَّمٌ في قضايا الأصول؛ لأنّه داعية الضّلال وسبب التّعطيل والإهمال، ولو تُرِكَ النَّاسُ متفرِّقينَ لتفرَّقَتِ الآراء والنِّحل، ولكَثُرتِ الأديان والمِلَل، ولم تكن فائدة في بَعْثِ الرّسول، وهذا هو الّذي عَابَهُ اللهُ فقال: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا} الآية (٥)، فذمَّهُ في كتابه، وعنه نهى - صلّى الله عليه وسلم - في الحديث الصّحيح؛ قوله - صلّى الله عليه وسلم -: "مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ مَاتَ مِيتهً جاهليَّة" (٦)، وذلك أنّ أهل الجاهليّة لم يكن لهم إمامٌ يجمَعُهُم على دِينٍ، ويتألَّفُهُم على رَأْيٍ واحدٍ، بل كانوا طوائفَ شتَّى وفرقًا مختلفة، وأراؤهم مُنْتَقَضَة، وأديانهم تَالِفَة (٧)، وذلك الّذي دَعَا كثيرًا منهم إلى عبادة الأصنام وطاعَةِ الأزلام.

فالخوارجُ على هذه الصِّفَة من الضّلال، وهم يظنُّونَ أنّهم مُهْتَدُون عُقَّال، فهم من الّذين قال الله فيهم: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} الآية (٨)؛ لأنّهم خرجوا على الأُمَرَاء. وافترقوا فِرَقًا:


(١) "الّذي" زيادة يقتضيها السِّياق.
(٢) أخرجه مسلم (١٠٦٦) من حديث عبيد الله بن أبي أوفى.
(٣) في العزلة: ٥.
(٤) في النسختينن: "وهي" وقد أسقطنا واو العطف بناء على ما في كتاب العزلة.
(٥) ال عمران: ١٠٥.
(٦) أخرجه البخاريّ (٧٠٥٣ - ٧٠٥٤)، ومسلم (١٨٤٩) من حديث ابن عبّاس.
(٧) في كتاب العزلة: "أراؤهم متناقضة، وأديانهم متباينة".
(٨) الكهف: ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>