للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإسلام؛ لأنّ التَّمَارِي: الشَّك، وإذا وقع الشَّكُّ في خروجهم لم يقطع عليهم بالخروج الكلِّي عن الإسلام.

واحتجّ القائلُ لهذا بلَفْظَةٍ رُوِيَتْ (١) في بعض طُرُقِ هذا الحديث والأحاديثِ الواردةِ فيهم، وهي قولُه: "يَخْرُجُ قَوْمٌ من أُمَّتِي" (٢) ولو صحَّت هذه اللَّفْظَة لكانت شهادة منه لهم أنّهم من أُمَّتِهِ.

وقال بعض العلماء معنى قوله: "يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي" معناه: في دَعْوَاهُمْ أنّهم مِن أُمَّتِهِ، وليسوا من أُمَّتِهِ.

وأكثر طرق الأحاديث الصِّحاح عن أبي سعيد الخدري عن النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم -؛ أنّه قال: "تَلْتقِي من أُمَّتِي فِئتان، أو قال: تَقْتَتِلُ من أُمَّتِي فئتان، فَبَيْنَا هم كذلك، إذ مَرَقَتْ مارِقَةٌ بينَهُمَا تَقتُلُها أولى الطائفتين بالحقِّ" (٣).

وقال الأخفش (٤): شَبَّهَ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم - مُرُقَهُم من الدِّينِ بِرميةِ الرَّامِي الشَّديدِ السَّاعِدِ الَّذي رَمَى الرَّمِيَّة فأَنْفَذَهَا سَهْمه في جانب منها وخرج من الجانب الآخر لِشِدَّةِ رَمْيِهِ، فلم يتعلَّق بالسَّهْمِ دَمٌ ولا فَرْثٌ (٥)، وكأن الرّامي أَخذَ السَّهْمَ فَنَظَرَ في نَصْلِهِ -وهو الحديدُ الّذي في آخر السهم- فلم ير شيئًا من دَمٍ ولا فَرْثٍ، ثم نَظَرَ في القِدْحِ - والقِدْحُ عود السَّهْمِ- فلم يَرَ شَيْئًا، ونَظَرَ في الرِّيشِ فلم يَرَ شيئًا.

وقوله: "يتَمَارَى في الفُوقِ" أي يشُكُّ فيه إنّ كان أصاب الدَّم الفُوق أم لا. والفُوقُ: آخر السَّهْمِ.

وقال آخر: الفُوقُ هو الشَّقُّ الّذي يدخلُ فيه الوَتَرُ، فكذلك هؤلاء (٦)، إذا نظرتَ في أقوالهم وأفعالهم لم تجد فيهم تعلُّقًا بالإِسلام، ولا أثر لهم، وتتمارى في اليسير من الدَّمِ، كذلك يُتمارى في اليسير من أَيْمَانِهم، وفيهم نزلت: {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} الآية (٧).


(١) غ: "وقعت".
(٢) أخرجه بهذا اللفط مسلم (١٠٦٦) برقم فرعي (١٥٦) عن زيد بن وهب الجهني.
(٣) أخرجه الطبراني في الأوسط (٧٦٥٩) من حديث أبي سعيد الخدري.
(٤) في غريب الموطّأ [نسخة صائب بتركيا، وهي غير مرقمة الصفحات].
(٥) الفرثُ: بقايا الطّعام في الكَرِشِ.
(٦) هنا ينتهي النقل من الاستذكار.
(٧) الكهف: ١٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>