للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفقه والأحكامُ في أهل البِدَعِ والخَوَارج:

المسألةُ الأُولى:

قال علماؤنا: الحُكْمُ في الخوارج المُقَاتَلَةُ؛ لأنّ عليًّا - رضي الله عنه - قاتَلَهُم على ذلك.

وقال بعضهم: إنّه لم يقاتل عليّ أهل البَغْيِ على الشِّرْكِ ولا على كُفْرِهِمْ، وإنّما قاتَلَهُمْ على مُخَالَفَةِ السَّلَفِ والخروجِ عن الجماعة.

وقال (١) إسماعيل القاضي: رأَى مالكٌ - رحمه الله - قَتل الخوارج وأهل القَدَر من أجل الفساد الدَّاخل من قبلهم (٢)، وهو من باب الفساد في الأَرض، وليسَ فسادهم (٣) بِدُونِ فسادِ قُطَّاع السُّبُل والمُحاربينَ للمسلمين على أموالهم، فوجب بذلك قتلهم لا على الكفر (٤).

وهذا (٥) قولُ عامّة الفقهاء الّذين يَرَوْنَ قتلهم واسْتِتَابتهم، ومنهم من يقول: لا يتعرض (٦) لهم باستتابةٍ ولا غيرها ما اسْتَتَرُوا ولم يبغوا حقًّا أو يُحَارِبُوا، وهذا مذهب الشّافعيّ وأبي حنيفة وأصحابهم، وجمهور الفقهاء، وكثير من أهل الحديث.

وقال الشّافعيّ في كتابه (٧) في قتال أهل البَغْيِ: "لو أنّ قومًا أَظْهَروا رَأْيَ الخوارج، وتَجَنَّبُوا جماعةِ المسلمينَ وكَفَّروهُم، لم تحلّ بذلك دماؤُهُم ولا قتالهم؛ لأنّهم على حُرْمَةِ الإيمانِ حتّى يصيروا إلى جانب يجبُ به قتلهم" (٨) من خُرُوجِهم إلى قتل (٩) المسلمين وإشهارهم السِّلاح، وامتناعهم ممّن يدعوهم إلى الحَقِّ (١٠).


(١) من هنا إلى آخر المسألة مقتبسٌ من التمهيد: ٢٣/ ٣٣٧.
(٢) في التمهيد: "الداخل في الدِّين".
(٣) في التمهد: "إفسادهم".
(٤) تتمة الكلام كما في التمهيد: "إلَّا أنّه يرى استتابتهم لعلّهم يراجعون الحق، فإنْ تمادوا قتلوا على إفسادهم".
(٥) الكلام التالي هو لابن عبد البرّ تعقيبًا على كلام إسماعيل القاضي.
(٦) ج، غ: "من لا يعرض" والمثبت من التمهيد.
(٧) أي الأم: ٩/ ١٩٩.
(٨) هنا يننهي كلام الشّافعيّ في الأمّ، والعبارة كما في التمهيد: "إلى الحال الّتي يجوز فيها قتالهم" وفي الأم: "لم يصيروا إلى الحال الّتي أمر الله عزَّ وجلَّ بقتالهم فيها".
(٩) في التمهد: "قتالهم".
(١٠) في التمهد: "وامتناعهم من نفوذ الحق عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>