للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساكن وهو اللّيل، ثمّ ذَكَرَ الفَلَكَيْن المتحرِّكين الشّمسُ والقَمَرَ؛ لأنّ قولَه: "حُسْبَانًا" أي: هما في دوران (١) كَدَوَرَانِ الرَّحَى، لقوله تعالى: {كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (٢) أي يعومون ويتحرَّكُون أَبَدَا إلى يوم الوَقْتِ المعلوم.

الفائدة الرّابعة:

قوله (٣): "وَاقْضِ عَنِّي الدَّيْنَ" استعاذَ النّبيُّ - صلّى الله عليه وسلم - من الدَّيْن؛ لأنّه رقٌ عظيم وهَمٌّ، فيه آثار كثيرةٌ ليس هذا موضع ذِكْرِها، وسيأتي في "البُيُوع" إنّ شاء الله.

الفائدة الخامسة:

قوله (٤): "وَأَغْنِنِي مِنَ الفَقْرِ" أمّا الغنى فينقسم على ثلاثة أقسام:

القسمُ الأوَّلُ: غنى النَّفس، وهو المطلوبُ المرغوبُ المحبوبُ.

القسمُ الثّاني: الغِنَى بالله تعالى.

القسمُ الثّالث: الغِنَى بالمَالِ، وهو موضع الخِلاَفِ. وقد سئل بعض العلماء عن ذلك- وقيل: إنّه الفُضَيْل- أيّهما أتمّ: الغِنَى باللهِ تعالى أم الافتقار إلى الله تعالى؟ فقال: الافتقار إلى الله تعالى يُوجبُ الغِنَى بالله، فإذا صحَّ الافتقارُ إلى الله كَمُلَتِ العنايَةُ (٥)، فلا يقال أيُّهما أتمّ؛ لأنَّهما حالتان لا تتمُّ إحداهما إلَّا بتمام الأخرى، ومَن صَحَّ افتقارُه إلى الله صَحَّ غناؤُه بِهِ.

فإن قيل: كيف استعاذَ النَّبيُّ (٦) منه وقد كان جاءَهُ جبريل بمفاتيح خزائنِ الأرض (٧)، فلم يقبل.

قلنا: لا يخلو دُعَاؤُهُ من وجهين:

أحدهما أنّه إنّما أراد أنّ يُعَلِّمَنَا ذلك (٨).


(١) غ: "أي دورانًا".
(٢) الأنبياء: ٣٣.
(٣) أي قوله - صلّى الله عليه وسلم - في حديث الموطّأ السابق ذِكْرُهُ.
(٤) أورد القشيري هذا القول في الرسالة: ٢٧٣ وعزاه إلى الجنيد.
(٥) في الرسالة القشيرية: "كمل الغِنَى به".
(٦) - صلّى الله عليه وسلم -.
(٧) أخرجه البخاريّ (٢٩٧٧)، ومسلم (٥٢٣) من حديث أبي هريرة.
(٨) جـ: "بذلك".

<<  <  ج: ص:  >  >>