للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): ويُكْرَهُ الرّكوبُ في المشي أمام الجنازة، قاله مالك.

ولا بأس به في الانصراف، قاله ابنُ حبيب.

تنبيه (٢):

قال الإمام - ووجه ذلك: أنّ المشيَ مع الجنازة فعل برّ وموضع تواضعٍ، ومشي إلى الصّلاة كالمشيِ إلى الجمعة والرُّجوع، فليس بعبادةٍ في نفسه، فالرّكوب فيه مطلق كالرُّكوب للمُنْصَرِفِ من الجمعة.

فان ركبَ أحدٌ إلى جنازة، فحُكمُه أنّ يمشي خلفها والنِّساء خلفه والناس أمامهما.

المسألة الرّابعة (٣): في حمله

أمّا حمله، فإنّه من فروض الكفاية، وهو أيضًا من فروضه إنّ لم يكن له مالٌ، فإن كان له مالٌ فماله يحمله، وقد رأيت في جميع ديار المشرق -صَانَها اللهُ- أنّه ليس للمَوْتَى حاملٌ مخصو، ولا فيه (٤) إجارةٌ مشروعةٌ، ولكن إذا جُعِلَ الميِّتُ على السَّريرِ نادَى منادٍ: احملوا تُحمَلُوا، فيبادِرِ النَّاسُ إليه فيحملونَهُ دُولًا حتّى يُوضع على قَبْرِه.

فهذا حُملَتِ الجنازةُ، فالسُّنَّة أنّ يُمْشَى أمامها للحديث، وليس في قوله: "مَنْ يَتْبَعْ جَنَازَةً" (٥) حُجَّة، وإنّما أراد به أنّ له أجرًا كما لو تقدّم أمَامَها، والمذهب بالمشي خَلْفَها هو مذهب أهل العراق (٦)؛ لأنّ المَشْيَ خَلفَها عندهم أفضل، للحديث: "مَنْ يَتْبَعْ جَنَازَةً" في كلِّ حديث ورد فيه ذكر ذلك (٧). والتّتابُعُ يكون خَلْفَ المتبوع، وهذا لا يصحّ؛ لأنّ التّابع للمَلِكِ قد يمشي بين يَدَيْه لما يحتاج إليه، فليس يلزم من الاتِّباع تأخُّر التَّابع عن المتبوع، وتلك جَهَالَةٌ باللُّغَة (٨).


(١) يحتمل أنّ يكون المراد هو الإمام الباجي؛ لأنّ النقل موصول من المنتقى.
(٢) هذا التنبيه مقتبس من المنتقى: ٢/ ٩.
(٣) انظرها في القبس: ٢/ ٤٤١ - ٤٤٣.
(٤) في القبس: "فئة".
(٥) أخرجه البخاريّ (٤٧) من حديث أبي هريرة بلفظ: "من اتَّبَعَ جنازةً".
(٦) انظر كتاب الأصل: ١/ ٤١٤، ومختصر الطحاوي: ٤٢، ومختصر اختلاف العلّماء: ١/ ٤٠٤.
(٧) "ورد فيه ذكر ذلك" زيادة من القبس يفتضيها السِّياق.
(٨) غ:"بالغة".

<<  <  ج: ص:  >  >>