للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تأويلٌ بعيدٌ لوجهين:

أحدهما: أنّه لو خافَ التّضييق ما ذرأَ نصفَهُ في البَرِّ ونصفه في البحر، ولَلَقَى اللهَ كذلك.

الثّاني: أنّ في بعض طُرُقِهِ الصّحيح: "ذَرُوا نِصْفِي في البَرِّ ونصفي في البحر لَعَلِّي أضلّ اللهَ" (١)، وهذا تصريحٌ بنفي العِلْمِ الخفيّ عن (٢) البارئ، وتقصير القدرة عن جمع (٣) المفترق.

وقال (٤) آخرون (٥): "لَئِنْ كَانَ اللهُ قَدَرَ عَلَيَّ" والتَّخفيفُ والتَّشديدُ في هذا سواء في اللُّغة، وهو من باب القَدَرِ الّذي هو الحُكم، وليس من باب القُدرَة والاستطاعة في شيءٍ، قالوا: وهو مثل قوله في قصَّة ذي النُّون (٦): {وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ} (٧)، وقد تأوّل العلّماء من أهل التّفسير في هذا قولان:

أحدهما: أنّه من التقَّدير والقضاء.

والآخر: أنّه من التّقتير والتّضيِيق.

كأنّه قال: لئن كان قد سبقَ لي في قُدْرَةِ اللهِ تعالى وقضائِه أنّ يعذِّبني على ذُنوبي ليعذِّبني عذابًا لا يعذِّبه أحدًا من العالَمِين، وهذا منه خوفٌ ويقينٌ وإيمانٌ وتَوْبَةٌ وخَشْيَةٌ منه لربِّه، وتوبةٌ على ما سَلَفَ من ذنوبه؛ وهكذا يكون المؤمن مصدِّقًا مُوقِنًا بالبَعْثِ والجزاءِ.

نُكْتَةٌ ومقدِّمةٌ اعتقادية (٨):

اعلموا -وفقكم الله- أنّ الموتَ ليس بعدَمٍ مَحضٍ، ولا فَنَاءٍ صرفٍ، وإنّما هو تبديلُ حال بحالٍ، وانتقالٌ من دار إلى دارٍ، ومَسِيرٌ من غَفلةٍ إلى ذِكْرٍ، ومن حالِ نومٍ


= الحديث من أحاديث بني إسرائيل، وإنّما جاء من طريق الآحاد، والله أعلم بحقيقته".
(١) أخرجه الروياني في مسنده (٩٣٤)، والطبراني في الكبير (١٠٢٦).
(٢) جـ: "على".
(٣) غ، جـ: "جميع" ولعلّ الصّواب ما أثبتناه.
(٤) الكلام التالي مقتبسٌ من الاستذكار: ٨/ ٣٦٨ - ٣٧٠.
(٥) المقصود هو القنازعي في تفسير الموطّأ: الورقة ٨١.
(٦) {وَذَا النُّونِ} الّتي في الآية زيادة منّا يقتضيها السِّياق.
(٧) الأنبياء: ٨٧.
(٨) انظرها في القبس: ٢/ ٤٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>