للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى حال يقظةٍ، وهو المقصود الأوَّلُ، ولو لم تكن الحالة كذلك، لكان الخَلْقُ عَبَثًا، ولكانت السّموات والأرض وما بينهما باطلًا،* لم قد بيَّنَّا في "كتب الأصول" ما علَّمنا الله تعالى في كتابه * (١) من وجوبِ البعث، واقتضاءِ الثّواب والعقاب على تفاوت الأعمال، والبارىء تعالى هو المُحيِيِ والمُمِيت لجميع الخليقة فيما بَرَأَ وذَرَأَ، لا فاعلَ لذلك سِوَاهُ.

المسألة الثّالثة:

قال علماؤنا: هذا رجلٌ جهلَ صفة من صفات الله تعالى، وكان مؤمنًا بشَرْعِ من قَبْلَهُ في زمن الفترة وعند تغيير (٢) المِلَل ودُرُوسِها، ومنِ اتَّبع الدِّين على هذه الحال وطلبَ التَّوحيد بين الشُّبَهِ، فما أدرك منه ينتفع به، وما فَاتَهُ يسامح فيه، وهذا كقسّ بن سَاعِدَة، وزيد بن عمر بن نفيل، وَوَرَقَة بن نوفل، وأشباههم. وأمّا والشّريعةُ غَرَّاء، والمحَجَّةُ بيضاء، والجادَّةُ مَيْثَاء، والبيان قد وقع بالأسماء والصِّفات والتوحيد كلّه، فلا عُذْرَ لأحدٍ فيه.

المسألة الرّابعة:

اختلف العلّماء فيمن أقرَّ بالذَّاتِ وأنكرَ الصِّفات أو بعضها، هل يحكم عليه بالإيمان أو التّفسيق؟ أم يقضى عليه بالكُفْرِ والتَّعْطِيلِ؟

الجواب عنه: أنّه إذا كان عارفًا بأكثر الصَّفات، جاهلًا بصفة واحدة، فإنّه بدعيٌّ وليس بكافرٍ، ومن النّاس من كَفَّرَهُ بذلك.

تنبيهٌ على وَهَمٍ:

قال أبو عمر بن عبد البرّ (٣): ليس من جهل صفة من صفات البارئ يكون كافرًا، إنّما يكون جاهلًا بالموصوفِ (٤)، ألَّا ترى أنّ الصّحابة رضمي الله عنهم سألوا رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - عن القَدَرِ وعن أشياء، فقال: "اعْمَلُوا واتَّكلُوا، فكلٌّ مُيَسَّرٌ لما يسِّر له "، حتّى قالت: فَفِيمَ العمل يا رَسول الله؟


(١) ما بين النّجمتين استدركناه من القلبس ليلتئم الكلام.
(٢) جـ:"تغير".
(٣) بنحوه في التمهيد: ١٨/ ٤٢، ٤٦، والاستذكار: ٨/ ٣٦٦، ٣٦٧.
(٤) وذهب ابن بطّال في شرح البخاريّ: ١٥/ ٥٠١ أنّه يستفاد من الحديث الشريف أنّ من جهل بعض الصِّفات فليس بكافر، خلافًا لبعض المتكلِّمين؛ لأنّ الجهل بها هو العلّم، إذ لا تبلغ عنه صفاته تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>