للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلالِ، وأنفقَهُ في وجوهِ البرِّ، وأطعم منه المساكين (١)، وحَبَسَة في سبيل الله، فيكون له بذلك الأجر والدَّرَجة العالية.

الفائدةُ الخامسة (٢):

قولُه: "ورَجُلٌ رَبَطهَا" الرَّباطُ يكونُ على وجهين:

١ - رباطُ الخيلِ، وهو ما تقدَّمَ.

والأصلُ في ذلك: قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ...} الآية (٣).

٢ - والثّاني: رباطُ الرَّجلِ نفسَهُ لِحِفْظِ الثُّغور على من جاورها من العدوِّ.

والأصلُ في ذلك: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} الآية (٤).

وما رُوِي عن سهل بن سعد, أنّ النَّبيِّ - صلّى الله عليه وسلم - قال: "رِبَاطُ يَوْمٍ في سَبيلِ الله خَيرٌ مَنَ الدُّنيَا وَمَا فِيهَا" (٥).

فإذا ثبت هذا, فرباطُ الرَّجُل نَفسَهُ هو أنّ يترك الرَّجُل وطنه، ويلتزم الثَّغرَ لمعنى الحِفْظ وتكثير السَّوَاد، وأمّا من كان وطنه الثَّغر فليس مقامُه به رِبَاطًا، رواه ابن حبيب (٦) عن مالك.

ووجه ذلك: أنّه يحْبِسُ نفسَهُ، ويقيم لهذا الوجه خاصّة، فإن أقام لغير ذلك، فلم يربط نفسه لمدافعة العدوِّ، وليس كذلك رباط الخيل، فإن جمهور النَّاس يستغني عن اتِّخاذِهَا، هذا الّذي ذكرهُ أصحابُنَا.

وعندي (٧): أنَّ مَنِ اختارَ المقام بالثَّغرِ للرِّباطِ خاصّة، ولولا ذلك لأَمْكَنَهُ المقام بغير ذلك من البلدان، له حكم الرَّباط.


(١) الّذي فى تفسير القنازعي: "وأطعم منه الجائع وأحياه، كان ماله بركة عليه في آخرته".
(٢) هذه الفائدةُ مقتبسة من المنتقى: ٣/ ١٦١ - ١٦٢.
(٣) الأنفال: ٦٠، وانظرأحكام القرآن: ٢/ ٨٧٢.
(٤) آل عمران: ٢٠٠، وانظر أحكام القرآن ١/ ٣٠٥.
(٥) أخرجه البخاريّ (برقم: ٢٨٩٢).
(٦) في كتابه، كما نصْ على ذلك ابن أبي زيد في النَّوادر والزيادات: ٦، وأورده ابن رشد في المقدِّمات الممهدات: ١/ ٣٦٥.
(٧) الكلام موصولٌ للإمام الباجي.

<<  <  ج: ص:  >  >>