للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدةُ الثّانية:

قال (١): "وليس في هذا الحديث ذكر الدّعوة إلى الإسلام قبل القتال".

وقد (٢) اختلف العلماء في ذلك، هل يُؤمَر بها على الإطلاق، أم لا يُؤمَر بها؟

الجواب عن ذلك أنّا نقول: يُؤمر بها من لا يَعلَم، وتسقُط في حق من علم بوصول الدّعوة، واليهود في خيبر قد كان بلغتهم الدّعوة، فمن ذلك لم يأمرهم بدعوة.

وقد قال بعض علماء أهل الأصول: إنَّ هذه المسألة مبْنيةٌ على أنّ العصر ما خلا قط من سمعٍ، أو يجوز أنّ يكون خلا منه، وهي مسألة اختلاف بين أهل الأصول.

وقد احتِج لقوله - من قال: إنّه لم يخل من سمع- بقوله تعالى: {كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ} الآية (٣)، وبقوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} (٤).

ومن ينكر القول بالعموم لا يسلّم هذا الاستدلال، وهذا الذى بناه أهل الأصول فيه نظر، وذلك أنّ قصارى ما فيه أنّه ليس في الأرض أمّة إِلَّا وقد بلغتها دعوة الرّسول - صلّى الله عليه وسلم - (٥)، وقد يمكن أنّ يكون عند هؤلاء قوم في الأرض لم يبلغهم ذلك، ولا سمعوا بظهور رسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، ويظنّون أنّ القتال إنّما كان على جهة طلب الملك، فيؤمرون بالدّعوة.


(١) القائل هو الإمام الباجي في المنتقي: ٣/ ٢١٧.
(٢) من هنا إلى آخر الفائدةُ مقتبس من المعلم بفوائد مسلم للمازري: ٣/ ٩، مع زيادات يسيرة.
(٣) الملك: ٨ - ٩.
(٤) الإسراءِ: ١٥.
(٥) وهذا ما أكده سحنون عندما قال: "إنَّ الدّعوة اليوم قد بلغت جميع الأمم" عن النوادر والزيادات: ٣٦، وذكر ابن رشد في البيان والتحصيل: ٣/ ٨٣ أنّ جلَّ أهل العلم يقولون: إنَّ دعوة الإسلام بلغت جميع العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>