للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولو كان لأجل الدَّافّة خاصّة لَمَا اختصَ ذلك بلحوم الأضاحي بل كان يلزم النَّاس مواساتُهُم بها وبغيرها، والحديث منسوخٌ حقيقة (١)، والله أعلم.

الفقه في ثلاث مسائل:

المسألة الأولى (٢):

قوله: "نهى عَنْ أَكل لُحُومِ الأَضَاحِي بَعْدَ ثَلَاثٍ" يريدُ أنّه نهى عن أنّ يأكل منها ذَابحُها بعد ثلاثٍ؛*لأنّه لمّا أباح الذَّبح في الثّلاثة الأيَّام أباح أكل فيها من الأُضحيّة، وقصر إباحة الأكل عليها ليتمكّن المضحِّي بأن يؤخِّر الذَّبح إلى آخرها, ولا يتعذر عليه الأكل منها.

ويحتمل أنّ يريد إباحة الأكل بعد ثلاثة أيّام من وقت ذبح أُضحيّته*. لكان ضحّى في آخر أيّام الذبْح، أبيحَ له الأكل منها ثلاثة أيّام؛ لأنّ في منعه منها بعد اليوم والمُدَّة اليسيرة تضييقًا عليه، وفي أَكلِهِ منها بعد ثلاث مُنْتَفَعٌ، ونهى عن أكلها بعد ذلك, والنَّهيُ يقتضي التّحريم، ثمّ نسخ ذلك بإباحة أكله، وهذا من باب نسخ السُّنَّة بالسُّنَّة.

وقوله: "فَكُلُوا وَادَّخِرُوا" وقد رُوِيَ ما يقتضي الإباحة (٣) , رَوَى ابنُ الموّاز عن مالك: لا بَأْس على الرَّجل إنْ لم يأكل من بَدَنَتِهِ. وإن (٤) تصدّق بلحم أُضحيته كلِّه،


(١) والحديث منسوخ حقيقة" من إضافات المؤلِّف على نصِّ الباجي.
وفي هذا المعنى يقول ابن شاهين في ناسخ الحديث ومنسوخه: ٤١٣ "والنّهي في الحديث عن ادِّخار الأضاحي صحيح، والحديث في الإباحة صحيح، وهذا هو الناسخ للأوّل، والله أعلم"، وانظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ١٢٠ - ١٢٢، والعارضة: ٦/ ٣٠٩.
(٢) هذه المسألة مقتبسة من المنتقى: ٣/ ٩٣ - ٩٤.
(٣) أي أنّ لفظة "كلو" رُوِي ما يقتضي أنّ معناها الإباحة، وقد قال ابن عبد البرّ في الاستذكار: ١٥/ ١٧٣"كلام خرج بلفظ الأمر ومعناه الإباحة؛ لأنّه أَمْرٌ وَرَدَ بعدَ نَهْيٍ".
(٤) ذكر الباجي أنّ الكلام التّالي هو ما رُوي عن الإمام مالك في النّوادر والزِّيادات لابن أبي زيد ٤/ ٣٢٢ نقلًا عن الموازية.

<<  <  ج: ص:  >  >>