للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولُه (١): {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} (٢) معناه: وما صِيدَ، أي: مَا صَادَهُ (٣) {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} خرجَ مخرَجَ قوله تعالى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} (٤) والكلامُ يدلُّ على أنّهم سألوا عن الصَّيدِ فيما ساَلُوا عنه، وذلك مذكورٌ في الحديث، رُوِيَ عن زَيد الخَيل وعَدِيّ ابنِ حَاتِم أنّهما قالا: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لَنَا كِلابًا نَصِيدُ بِهَا البَقَرَ وَالظِّبَاء، فَمِنهَا مَا ندرِك وَمِنهَا مَالَا ندرك إِلَّا ميتًا، وَقَد حَرَّمَ اللهُ المِيتَةَ، فَسكتَ عنهُمَا رَسُول اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - فَاَتزَلَ اللهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية (٥).

وَرَوَى أبو رَافِع قال: جاءَ جبريلُ إلى النَّبيّ - صلّى الله عليه وسلم - يَسْتَأْذِنُ عَلَيهِ فَأذِنَ لَهُ فَقَال: قَد أَذِنَّا لَكَ يَا رَسُول اللهِ، قَالَ: أَجَل، وَلَكِنَّا لَا نَدخُلُ بَيتًا فِيهِ كَلبٌ (٦)، قال أَبُو رَافِع: فَأَمَرَ أنّ نَقتُلَ الكِلَابَ بِالمَدِينَةِ، فَقَتَلْتُ حَتى انْتُهَيتُ إِلَى امرَأَةٍ عِندَهَا كَلبَّ يَنْبَحُ عَلَيهَا، فَتَرَكتُه، ثُمَّ جِئتُ رَسُولَ اللهِ - صلّى الله عليه وسلم - فَأَخبَرتُهُ، فَأَمَرَنِي بِقَتلِهِ، فَسَكَتَ، فَأتزَل اللهُ تَعَالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} الآية (٧)، وَهَذَا هو الصَّحِيحُ،

وقوله (٨): {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ} فالجوارحُ معناها: الكَوَاسِب، جرح إذا كسب، فالجوارحُ هي الّتي يُصَادُ بها، وهي الكلابُ والفهودُ والبُزَاةُ والصُّقُورُ، وما أَشبَهَ ذلك.

ومن أهل العلم من قال: لا يُؤكَل إِلَّا صيدُ الكلابِ.


(١) هذه الفقرة اقتبسها المؤلِّف - بتصرُّف - من المقدِّمات لابن رشد ١/ ٤١٧ - ٤١٨.
(٢) المائدة: ٤.
(٣) في المقدِّمات: "معناه: وصَيدُ ما علّمتم من الجوارح".
(٤) يوسف: ٨٢.
(٥) المائدة: ٤، والحديث أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره، وانظر أسباب نزول القرآن للواحدي: ١٨٤ - ١٨٥، وتفسير القرطبي: ٦/ ٦٥، والدر المنثور: ٢/ ٢٦٠. وفي سند الحديث ابن لهيعة.
(٦) ورد نحو هذا في مسلم (٢١٠٤) عن أبي حازم، وعن عائشة.
(٧) أورد. الواحدي في أسباب نزول القرآن:١٨٤، والحديث أخرجه الحاكم: ٢/ ٣١١ وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه".
(٨) من هاهنا إلى بداية النّكتة مُقتَبَسٌ من المقدِّمات لابن رشد: ١/ ٤١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>