للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في السّباع، فأمّا الطيرُ فإنّها تفترسُ وتأكلُ اللّحم وليس بأكلها بأْسُّ.

وأمّا المدنيّون، فقال ابنُ حبيبٍ: لم يختلفوا في تحريم لحوم السِّباع العادية: الأسد والنَّمِر والذِّئب والكلب، وأمّا غير العادية كالدُّبِّ والثّعلبِ والضَّبُعِ والهِرِّ فَيْكرَهُ أكلُها من غير تحريم، قاله مالك وابنُ الماجشون، ولعلّه لم يبلغه قول ابن كنانة، أو بَلَغَهُ وحَمَلَهُ على المنعِ في الجملةِ، وأنّه عنده على ضربين: منه ممنوعٌ على وجه التَّحريمِ. ومنه ممنوعٌ على وجه الكراهية.

وأمّا المغاربة من المالكيِّينَ، ففي "الموازية": السَّبُع والنَّمِرُ والفَهْدُ محرَّمة بالسُّنَّة، والذِّئب والثّعلب والهرّ مكروهة، وقد يوجد من قول ابنِ القاسم وروايته عن مالك أنّ ذلك كلّه على الكراهية، كرواية العراقيِّين.

واستدلَّ علماؤُنا في ذلك بقوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية (١)، فليست لحوم السِّباع ممّا تضمّنته الآية، فوجب ألَّا تكون محرّمة.

ومن جهة القياس: أنّ هذا سَبُعٌ ذو نَابٍ، فلم يكن محرّمًا كالضَّبُعِ والثَّعلبِ.

المسألة الثّانية (٢):

وقال قومٌ: لا بأسَ بأكلِ هذه كلّها لحديثٍ وَرَدَ، انفردَ به عبدُ الرَّحمنِ بن عبد الله بن أبي عَمَّار (٣)، وقد وثّقه جماعةٌ من أيمّةِ الحديث، ورَوَوْا عنه هذا، واحتجُّوا به، وهو ثقة مكيٌّ.


(١) الأنعام: ١٤٥.
(٢) هذه المسألة مقتبسة من الاستذكار: ١٥/ ٣١٩ - ٣٢٣، وانظر التمهد: ١/ ١٥٢ - ١٥٦.
(٣) أخرجه الشّافعيّ في الأم: ٥/ ٣٣٨، وعبد الرزّاق (٨٦٨٢)، وابن أبي شيبة: ٣/ ٢٩٧، ٣١٨، ٣٢٢، والدارمي (٩٤٧، ١٩٤٩)، وأبو داود (٣٧٩٥)، والترمذي (٨٥١) وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجه (٣٠٨٥)، والنسائي: ٥/ ١٩١، والدارقطني: ٢/ ٢٤٦، والحاكم: ١/ ٤٥٢، وابن عبد البرّ في التمهيد: ١/ ١٥٣، والبغوي (١٩٩٢)، ولفظ الحديث عن ابن أبي عمار، قال: قلتُ لجابر: الضَّبُعُ، أَصَيدٌ هي؟ قال: نعم. قال: قلت: آكُلُها؟ قال: نعم. قال: قلت: أقالَهُ رسولُ الله - صلّى الله عليه وسلم -؟ قال: نعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>