للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجواب ثانٍ: وهو إنّما خصّها بالذكر لما كانت ممّا أُبيحَ للمحرمِ قتلها ابتداءً، لئلّا يعتقد أنّها بمنزلة بهيمة الأنعام في استباحة لحومها لما كانت بمنزلتها في استباحة قتلها، والأصل في هذا عندي أنّ يخصّ الحديث بقوله {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} (١) فالآيةُ عامّةٌ في كلِّ الحيوان، وخاصّة في الإمساك، وحديثُ أبي هربرةَ خاصٌّ في السِّباع، وعامٌّ في لحومها وأحوالها، فنجمع بينها، ونخصّ الحديث ونحمله على الميِّتة منها، بدليل خصوص الآية فيما أمسك علينا، وكانذلك أَوْلَى من تخصيص الآية بالحديث لوجهين:

أحدّهما: أنّ الآية معلومةٌ والحديث ليس بمعلومٍ.

والثّاني: أنّ عمومْ الآية لم يدخله تخصيصٌ، وعمومُ الحديثِ قد دخلَهُ تخصيصٌ في الضَّبُعِ والثَّعلب عندنا وعند الشّافعيِّ (٢).

ووجهُ ذلكَ: أنّ الأغلب من السِّبَاعِ العادية أنّه لا يتمكّن منها إِلَّا بعدَ فَوَاتِ ذَكاتِهَا، فخرجَ الحديثُ على الأغلبِ من أحوالها.

وروايةُ مَنْ رَوَى عن مالك التّحريم أظهر لحديث أبي هريرة، وهو نصٌّ في التّحريم وخاصٌّ في السِّباع، وقد قال القاضي أبو إسحاق في "مبسوطه": أحسب أنّ مالكًا حمل النّهي في كلِّ ذي نابٍ من السِّباعِ على النّهي عن أكلها خاصَّة (٣)، فذهبَ مالكٌ إلى أنَّ النَّهي مختصٌّ بالأكل، فالتّذكيةُ طُهْرٌ لغير الآكل، فقال: لا بأس بجلود السِّباع المذكّاة أنّ يصلّى عليها.


(١) المائدة: ٤.
(٢) في الأم: ٢/ ٢٧٣ - ٢٧٤.
(٣) تتمّة الكلام كما في المنتقى: "لأنّ عُبَيدَة بن سفيان روى عن أبي هريرة ان رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ من السِّبَاعِ حَرَامٌ".

<<  <  ج: ص:  >  >>