للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُكث في عِدَّتها، وكذلك النَّهيُ عن الخِطْبَةِ، إنّما هو للضّرر الّذي في ذلك على الخاطِب الأوَّلِ، وإنّما قال مالك: هو حرٌّ بعد الرُّكُونِ، وجَعلَهُ بعدَ الرُّكونِ ضررًا بدليل آخر، وهو قوله: "لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرارَ" (١) لِمَعْنىً في غيْرِه، وهو أصلُ المصلحة، وهو الأَصلُ الخامسُ الّذي انفردَ به مالك دُونَهُم.

المسألة الخامسة:

قولُه: "نَهَى أنّ يَخطُبَ الرجُلُ عَلَى خِطبَةِ أَخِيهِ" (٢) هو تغليظ لا على وجه أنّه لا معنى في نفسه، وأمّا النّهيُ عند الفقهاءِ فإنّه يقتضي فساد المنهيِّ عنه (٣)، ولأجل ذلك قال مالك في الروايتين اللّتين رُوِيَتَا عنه: إنّه يُفْسَخُ إذا خطَبَ بعدَ الرُّكونِ والمَيلِ.

وأمّا علماؤُنَا المتكلَّمون، فهو عندهم على الوَقفِ (٤) -أعني النّهيّ- حتَّى يدلَّ دليلٌ على صرفِهِ إلى أحد الأحوال: إلى الحظر أو الإباحة أو النّدب.

وأمّا وهي في العِدَّةِ، فلا يحلُّ له أنّ يُواعِدَها سِرًا، أي نِكَاحًا (٥)، لقوله تعالى: {لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} الآية (٦)، والمباحُ له التّعريض (٧) لذلك من نصّ القرآن المُطلَق.


(١) أخرجه مالك (٢١٧١) رواية يحيى.
(٢) يقول البوني في تفسيره للموطَّأ: ٨١/ب "في هذا الحديث من الفقه: النّهي عن الضّرر، والأمر بالألفة ببن المسلمين. وفيه أنّ مفهوم الخطّاب يجري مجرى الخطّاب لقوله: على خطبة أخيه، يعني أخوة الإسلام لا النّسب".
(٣) وبه قال جمهور المالكية، كلما نصَّ على ذلك الباجي في إحكام الفصول: ٢٢٨، وانظر التلخيص للجويني: ١/ ٤٨١، والبحر المحيط: ٢/ ٤٣٩.
(٤) نسبه الزّركشي في البحر المحيط: ٢/ ٤٢٦ إلى الأشعريّة، وهو قول الإمام الأشعري فيما رواه عنه ابن فورك في مجرّد مقالات الأشعري: ١٩٧.
(٥) وهو المعنى الّذي اختاره المؤلِّف في أحكام القرآن: ١/ ٢١٥.
(٦) البقرة: ٢٣٥.
(٧) عرّف المؤلِّف التّعريض في كتابه أحكام القرآن: ١/ ٢١٢ فقال: "هو القولُ المُفْهمُ لمقصود الشّيءِ وليس بنصٍّ فيه، والتّصريحُ: هو التّنصيصُ عليه والإفصاحُ بذكره، مأخوذ من عرض الشّيء وهو ناحِيَتَهُ، كأنّه يحُوم على النِّكاحِ ولا يسفّ عليه، ويمشي حَوْلَهُ ولا ينزل به".

<<  <  ج: ص:  >  >>