كالخمسة أسواط والعشرة ونحوها، قاله مالك في "الموازية" و"المجموعة" و "كتابُ ابن سحنون".
ووجه ذلك: أنّ الحُدودَ تبلغُ سَيَلَان الدِّم والتّأثير في الأجسام، والمساجد تُنَزَّهُ عن مثل هذا. وأمّا أنّ تكثر الحدود فيه فلا؛ ولأنّها موطن رحمة.
المسألة الثّالثة:
وينبغي للقاضي إذا دخل المسجد أنّ يركع ركعتين عند دخوله قبل أنّ يجلس، ويدعو الله عند فَرَاغِه منهما بالتّوفيق والعِصمَة والتّسديد، ثمّ يجلس مستقبل القِبلَة، ويسلِّم على القوم إذا استقبلهم، وعند دخوله أيضًا وعند خروجه، إِلَّا إذا صار لمنزله، لقوله - صلّى الله عليه وسلم -: "يُسَلِّمُ القَلِيلُ على الكَثِيرِ"(١). وكذلك يفعلُ الخَصمَانِ إذا وصَلَا إليه، اقتداءً برسول الله - صلّى الله عليه وسلم -، فيردّ السّلام، ويجلس الخصمان بين يديه، ويسوِّي بينهما في المجلس، لا يرفع أحدهما على صاحبه.
وقد اختُلِف فيمن تقدّم إذا خَفِيَ عليه السّابق منهما، فقالت فرقةٌ: يُقرَع بينهما، فمن خرجت قُرعته قَدَّمَهُ، وأحسن من هذا أنّ يمدَّ خيطًا يلي مجلسَهُ أحد طرفي الخيطِ، ويلي الطّرفُ الآخر ناحيةَ مجلسِ الخُصومِ، فكلُّ مَنْ جاء كتبَ اسمه في رقعة ورفع الرقعة في طرف الخيط، هكذا حتّى إلى آخرهم، فإذا جلس القاضي، مدَّ يده إلى الطرف الّذي يليه من الخيط، فكلُّ رُقعةٍ تُقَابِلُه أخذَها وأمرَ بصاحبها، ثمّ لا يزال كذلك حتّى يأتي على آخر الرّقاع. فإن كثُرتِ الرقاعُ عليه، وزال الوقتُ الّذي يقضي فيه، عرف الطّرف الّذي كان يليه من الخيط حيث جلس، فيتناول في المجلس الثّاني الرِّقاع كفِعلِهِ في المجلس الأوّل حتّى تنفذ الرِّقاع.
وليس في الوقت الّذي يقضي فيه القاضي سُنَّة يُعتَمَدُ عليها، والذي يجبُ إذا حضرَ الخصومُ أنّ ينظر بينهم ولا يؤخِّر ذلك، بل ينفذ الحكم بينهم.
(١) أخرجه البخاريّ (٦٢٣٣)، ومسلم (٢١٦٠) من حديث أبي هريرة.