للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خطأ منه، وفي "التّرمذيّ" (١):" أَقضَاكُم عَلِيّ، وَأَعلَمُكُم بِالحَلَالِ وَالحَرَامِ مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأَفرَضُكُم زَيدُ بنُ ثَابِتٍ" الحديث، ولا يكون قاضيًا إِلَّا مَنْ عَلِمَ الحلال والحرام، ولكن سُرعة الفصلِ صنعةٌ في القضاء، والغَوص على دقائق الأدلّة نوعٌ من الفِطنَة، كما كان عليّ رضي الله عنه.

المسألة الخامسة عشرة (٢):

قولُه: "أَجتَهِد رَأيِي" فيه دليلٌ على أنَّ مَنْ فيه ذلك، فيه صفةٌ من الاجتهادِ، وذلك معنًى يختصُّ بالعالِمِ دون المقلِّدِ.

وقال بعض أصحاب أبي حنيفة (٣): يجوز أنّ يولَّى المقلِّد القضاءَ، وكذلك رجلٌ عَلِمَ الحقَّ فقضَى به، وهذا ليس بصفةِ المقلِّد (٤)، في كلام طويل (٥).

المسألة السّادسة عشرة (٦):

خطأُ القاضي بِعِلْمِ لا يُوجِبُ عليه ضمانًا ولا يُدركه منه تعقب، فإذا قضى بجهل، فحُكمُه حكم المتعدي في ماله وبَدَنِهِ، وُيؤخذ منه القِصاص في كلِّ واحدٍ منهما ممّا يتعلَّق به، فهذا كان عالمًا لم يلزمه شيءٌ.

والأصل في ذلك: أنّ خالد بن الوليد لَمَّا أخطأ في بني جَذِيمَةَ لم يعلِّق النَّبيُّ به


(١) الحديث (٣٧٩٠) عن أنس بن مالك وقال التّرمذيّ: "هذا حديث غريب "، إِلَّا أنّه لم يردّ في لفظ التّرمذيّ: "أقضاكم عليّ" وورد عند ابن ماجه (١٥٤)، وأبي يعلى (٥٧٦٣).
(٢) انظرها في العارضة: ٦/ ٧٦.
(٣) انظر المبسوط: ١٦/ ٦٨.
(٤) تتمّة الكلام كما في العارضة: ٦/ ٧٦ "كما يشهد يقضي".
(٥) رد المؤلِّف في العارضة: ٦/ ٧٦ - ٧٧ على أصحاب أبي حنيفة بقوله: " يلزمكم أنّ يقضي بما علم، كما يشهد من علم. فإن قيل: أليس يقلّد الشهود والمقوّمين؟ قلنا: لأنّه جاهل بطريق الشّهادة ولا سبيل له إلى إحصائها، وكذا التّقويم، فكانت ضرورة، وهاهنا لا يجوز له أنّ يجهل طريق الحكم، ولا يخلّ عليه طريق الحقّ، فكان كالمفتي، ومن لا يفتي لا يفضي وهذا أَوْلَى".
(٦) انظر الفقرة الأولى في العارضة: ٦/ ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>