للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأمّا "اشتراطُ العقلِ" فلأنّه أصلُ التّحصيل.

وأمّا "اشتراطُ الإِسلامِ" فلأنّ الكافرَ لا شَهَادةَ له؛ لأنّ الله وَصَفَهُ بالكَذِبِ، ولأنّه ولايةٌ شرطُها الكرامةُ، والكافر حقُّه الإهانةُ.

وقد قال أبو حنيفةَ (١): تجوزُ شهادةُ الكفّارِ بعضِهِم على بعضٍ إذا كانوا عُدُولًا في دِينِهِم، وقد بيَّنَّا فسادَه فيما تقدّم في "مسائل الخلاف".

وقال أحمدُ بنُ حنبل (٢): تجوزُ شهادةُ الكفّارِ على المسلمين في الوصيّةِ في السَّفَر، لقوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} الآية (٣)، يريدُ: من غير أهلِ مِلَّتِكُم.

قلنا: إنّما أراد من غير قبيلتكم.

فإن قيل: هذا لا يَصِحُّ؛ لأنّ الآية إنّما نزلت في شأن تَمِيم الدَّارِيِّ، وعَدِيِّ بن بَدَّاءٍ حِينَ أخذا جَامَ فِضّةٍ (٤) ورَوَى التّرمذيُّ (٥) وغيرُه (٦)، عن تَمِيمٍ في تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} الآية (٧)، وذكر الحديث.

قلنا: هذا حديثٌ ضعيفٌ، فلا يُلتَفَتُ إليه، وقد بيَّنَّا لكم أنّ أضَرَّ شيءٍ بالمُتعلِّم أو العالِمِ الاشتغال بالحديث الضّعيف، وهذا حديثٌ ليس له أصلٌ في الصِّحَّةِ، فلا يجوزُ أنّ يضافَ إلى القرآن الّذي هو الصّحيحُ، وأصحُّ كلِّ صحيحِ، وإنّما يُبَيِّنُ القرآن، ويضافُ إليه الحديثُ الصّحيحُ، وفيه وقَعَ الوَعدُ الكريمُ في قوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} الآية (٨).

وأمّا "الذّكورية" فلأنّ شهادةَ الأُنثى ليست بأصلٍ في الشّهادة، وإنّما هي بَدَلٌ، أو


(١) انظر مختصر الطحاوي: ٣٣٥، ومختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٤٠.
(٢) انظر المغني لابن قدامة: ١٤/ ١٧٠.
(٣) المائدة: ١٠٦، وانظر أحكام القرآن: ٢/ ٧١٣.
(٤) أخرجه الطّبريّ في تفسيره: ٧/ ١١٥.
(٥) في جامعه الكبير (٣٠٥٩).
(٦) منهم الطّبريّ في تفسيره: ٧/ ١١٥، وابن الأثير في أُسْد الغابة: ٤/ ٥.
(٧) المائدة: ١٠٦، وانظر أحكام القرآن: ٢/ ٧٢٢.
(٨) النحل: ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>