للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما قال أهل خُراسانَ: شهادةُ ضرورةٍ، ولأجل ذلك جاءت في القرآن بصفة الضّرورة، وعلى نَعتِ البّدلِيَّة، قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (١)، كما قال تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً} الآية (٢)، وقال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} (٣) وإنّما جَازَت في الأموالِ رِفقًا من الله تعالى (٤)، فلو وقَفَ رَبطُ الشّهادةِ على الذُّكور في ذلك، لَضاعتِ الحقوقُ، فَرُخِّصَ في شهادةِ النِّساء في ذلك، وبَقِيَت في أصلِ الرَّدِّ في غيرِها من الحقوق، وقد حصلَ الإجماعُ على أنّها لا تجوزُ في الدِّماء.

وأمّا "الحريةُ" فإنّها شرط عند عامّة العلماء.

وقال أحمد (٥): تجوزُ شهادةُ العبدِ؛ لأنّه عَدلٌ، والدّليلُ على ثبوت عَدَالَتِه قَبُولُ روايته.

وعَسُرَ الانفصالُ على سائر العلماء عن دليل أحمدَ هذا، وسَلَكُوا فيه طُرُقًا بيّنّاها في "مسائل الخلاف" يغنيكُم الآن عنها انفصَالان:

الأوّل: أنّ العبدَ مُستَغرِقٌ الأوقاتِ في حقِّ السَّيِّد، فلا يجدُ سبيلًا إلى الشّهادة.

والثّاني: أنّ اعتبار الشّهادةِ بالخَبَرِ فاسدٌ؛ لأنّ وَضعَها في الشّريعة مختلِفٌ، أَلَا ترى أنّ شهادةَ المرأةِ لا تجوزُ في القِصَاصِ، ويجوزُ قَبولُ روايتها، ويجوزُ قَبُولُ روايةِ الفَرْعِ، ولا يجوزُ قبُولُ شهادةِ الفرعِ مع وُجُودِ الأصلِ، وهذا بَيِّنٌ عند التّأمُّل، وفيه إنصافٌ بينَنَا وبَينَه.

أمّا قَبُولها في الجراح خاصّة؛ فلانّه الّذي يقع بينهم في الغَالِب، ولا يحضُرُهُ غيرُهُم، فَدَارَتِ الحالُ بين أحد أمرين؟ إمّا أنّ يَضِيعَ هذا الحقُّ، وذلك لا يجوزُ. أو تُقْبَلَ فيه شهادة الصِّبيانِ، وذلك أحسنُ، ولقوله مع صِغَرِه موضعٌ عظيمٌ في التّحليلِ


(١) البقرة: ١٨٢.
(٢) النِّساء: ٤٣.
(٣) البقرة: ١٩٦.
(٤) تتمّة الكلام كلما في القبس:، لكثرة التّرداد فيها، فقد يحضرها الرِّجال وقد يغيبون عنها".
(٥) انظر المغني لابن قدامة: ١٤/ ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>