للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال مجاهد: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (١) قال: هو الكذب (٢)، وكذلك قال أبو عُبَيدَة (٣).

واختلف العلّماءُ فيما يُفعَلُ بشَاهِد الزُّور:

فقال علماؤنا: يؤدبُ الأدب الوَجِيع، ويُشهر حتّى يكون ذلك رَدعًا لغيره، ولا تحلق له لحيته، فإن الله تعالى لم يشرع في الحدود تغيير الهيئة والخِلقَة.

وقال أبو حنيفة (٤): لا أدب عليه، وإنّما عقوبته ردّ شهادته؛ لأنّه قائل كذب وزور، فلم يجب عليه أَدَبٌ ولا تعزيرٌ، أصله: المظاهرة، وعلى هذه النُّكتة عَوَّلَ علماؤنا من أهل العراق وخراسان، وقد بيَّنَّا في "مسائل الخلاف" أنّ الله جعل جزاءَ الظِّهَارِ الكفّارة؛ لأنّه لم يضرّ بذلك إِلَّا نفسه، وهو ذَنْبٌ لا يتعدّى لغيره، وكان في الأصل طلاقًا، فأرخص اللهُ فيه فصار ظِهَارًا فافترقا. وقد رُويَ عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: يُخَلَّى سبيله. وكان شُرَيْح القاضي إذا أخذ شاهدَ الزُّورِ إنَّ كان سُوقِيًا بعث به إلى السُّوق، فقيل: إنَّ هذا شاهد زُور، وإن لم يكن سُوقيًّا بعث به إلى قومه، وقيل: إنَّ هذا شاهد زُور، وكان بعضُهم يذهب به إلى الجامع، وإلى حِلَق الذِّكْر، يقول: هذا شاهد زورٍ فلا تستشهدوه واحذروه.

وقال مالك: أرى أنّ يُفضَحَ ويشَهَّر وُيلعَن (٥).

وقال الشّافعيّ (٦): يُعَزَّر ولا يبلغ بالتّعزير أربعون ويُشَهَّر بأمره.

ورُوِيَ عن عمر أنّه حبسه يومًا وخَلَّى سبيلَهُ (٧).


(١) الحجِّ: ٣٠.
(٢) أخرجه الطّبريّ في تفسيره: ١٧/ ١٥٤.
(٣) في مجاز القرآن: ٢/ ٥٠.
(٤) انظر مختصر اختلاف العلماء: ٣/ ٣٦٠، والمبسوط: ١٦/ ١٤٥.
(٥) وفي المدوّنة: ٤/ ١٠٥ في شهادة الزورإ "قال مالك: يضرب ويطات به في المجالس".
(٦) انظر الحاوي الكبير: ١٦/ ٣١٩ - ٣٢٠.
(٧) روى هذه الحكاية وكيع في أخبار القضاة: ٢/ ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>