للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رفع خبر على الابتداء وخبره في المحذوف.

الأصول:

قال (١) الإمام: ثبتَ عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- أنّه قال: "مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فاقتُلُوه" (٢) من كلِّ طريقٍ، وهو عامٌّ في كلِّ مُبَدِّلٍ، لقوله: "مَنْ" وهي من ألفاظ العموم، وقد شَهِدَت له القاعدةُ بالاستمرارِ على الشُّمولِ. فلذلك قلنا: إنَّ المرأة إذا ارتدّت تُقتل، وبه قال الشّافعىّ (٣).

وقال أبو حنيفة (٤): لا تُقتَلُ؛ لأنّ عاصِمَها معها وهو الأنوثيّة، ألَّا ترى أنّها لم تُقتَلُ في الكُفرِ الأصلّىِّ، فكذلك في الطارئِ.

قلنا: قد حققنا هذه المسألة في "التّلخيص" وغيره، وقد بيّنّا أنّ عاصِمَها ليست الأنوثية، وإنّما عاصِمُها في الأصل أنّها مال يُستَرقُّ، وقد بَطَلَ ذلك بالرِّدَّة.

اعتِرَاضٌ:

فإن قيل: هذا الحديثُ لا حُجَّةَ فيه، فإن رَاوِيهِ ابن عبّاس وكان يُفتِي بأنّ المرتدَّة لا تُقتَل (٥)، والرّاوي إذا أفتى بخلاف ما رَوَى سقطت روايتُه.

قلنا: هذا سؤالٌ فاسدٌ؛ لأنّهم بَنَوْه على مذهبهم، وعندنا أنّ الرّاويَ في مخالفة روايته كسائرِ النّاسِ (٦)، وهي مسألةٌ أصوليةٌ، وقد أوضحناها في "الكتاب "الكبير" وبيّنّا


(١) انظره في القبس: ٣/ ٩٠٩ - ٩١٠.
(٢) رواه البخاريُّ (٣٠١٧) من حديث ابن عبّاس.
(٣) في الأم: ١/ ٢٥٨ (ط. النجار)، وانظر الحاوي الكبير: ١٣/ ١٥٥.
(٤) انظر مختصر الطحاوي: ٢٥٩، والمبسوط: ١٠/ ١٠٨.
(٥) رواه عبد الرزّاق (١٨٧٣١)، وابن أبي شيبة (٢٨٩٩٤)، (٣٢٧٧٣).
(٦) الّذي قرَّرَهُ المؤلِّف في المحصول في علم الأصول: ٣٥/ ب هو قوله: [إذا] أفتى [الراوي] بخلاف ما رَوَى، أو ردَّ الحديث أصلًا، قال أبو حنيفة والقاضي [الباقلاني] وأحد قولي مالك: يسقط الحديث؛ لأنّ ذلك تهمة فيه، واحتمال أنّ يكون قد سمع ناسخه، إذ لا يظُنّ به غير ذلك. وقال الشّافعيّ ومالك: الحديث مقدّمٌ على فتواه، وهذا هو الصّحيح ومثاله: ما روى ابن عبّاس عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- أنّه نال: "من بدّل دينه فاقتلوه" ثمّ أفتى بأن المرتدّة لا تُقتل، فخصَّ الحديث في فتواه. وإنّما قلنا ذلك؛ لأنّ الحديث إذا كان عرضة للتّأويل، فراويه وغيره في ذلك سواء، وإنّما يتفاضلون بصحّة السماع وجودة القريحة، وذلك ممّا لا يقدحُ في النّظر، ولا يؤثر في طريق الاجتهاد". وانظر العارضة: ٢/ ١٧١، ٦/ ٨٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>