للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاء هذا اللّفظ في هذا الحديث على النَّدبِ في الشّريعة فلا يُنكَر.

المسألة الثّانية (١):

اختلف قولُ مالك فيه، والمشهور عندنا وعندهم أنّ ذلك على الاستحباب؛ لأنّ الأُمَّةَ أجمعَت على أنّ من اختصّ بحقٍّ لا يلزمه أنّ يعطيَهُ لغيره وإن لم يضرّ به، فكيف ووضع الخشَبَةِ على الجدار يضرّ بصاحب الجدار.

وقال ابنُ نافِع عن مالك (٢): إنَّ ذلك على وجه المعروف (٣) والتَّرغيبِ في الوصيَّة بالجار ولا يُقضَى به، وقد كان ابن المطَّلِب (٤) يقضي به عندنا، وما أراه إلّا دَلالة على المعروف، وإنِّي منه لفي شكٍّ (٥).

وروى ابن وهب عنه (٦) أنّه أمرٌ رغّب فيه النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم-.

وقال ابنُ القاسم: لا ينبغي أنّ يمنعه ولا يقضي به عليه، وهذا على ما قال، إلّا أنّ ظاهر الأمرِ عند مالكٍ وأكثر أصحابه يقتضي الوجوب، لكنّه يعدل عنه بالدّليل،


(١) انظر الفقرة الأولى في القبس: ٣/ ٩٢٩، أمّا الباقي فهو مقتبس من المنتقى: ٦/ ٤٣.
(٢) قاله في المجموعة، نصّ على ذلك الباجي.
(٣) وهو الّذي رواه عنه ابن القاسم في المدوّنة: ١١/ ٤٣١ (ط. صادر) في الرَّجل يستأجر الحائط ليحمل عليه خشبة.
(٤) هو عبد العزيز بن المطلب المخزومي المدني قاضٍ من قضاة المدينة النبوية (ت١٧٠) انظر الجرح والتعديل: ٥/ ٣٩٣.
(٥) أورد هذا القول التطيلي في كتابُ الجدار: ١٠٩. ويقول القنازعي في تفسير الموطَّأ: الورقة ١٨٧ - ١٨٨ شارحًا هذا الحديث: "إنّما هذا من النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- على طريق الرفق بالجار لا على الإلزام؛ ولذلك كان الصّحابة يعرضون عن أبي هريرة إذا كان يحدثهم بهذا الحديث، ولو كان عندهم على الإلزام ما أعرضوا عنه. فالأحاديث الواردة عن النّبيّ -صلّى الله عليه وسلم- هي على حسب ما تلقاها أصحابه عنه، لا على ظواهرها".
(٦) أي عن الإمام مالك.

<<  <  ج: ص:  >  >>