للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلِّ أحدٍ أنّ يُوصِي بعدَ موتِهِ إخوانه وأهله ومَن حَضَره، كذلك فَعَلَتِ الأنبياءُ، وكذلك فعل خاتِمهُم الأعلَى. وقد ذَكَرَ الله ذلك في كتابه في آياتٍ كثيرةٍ.

وقال آخَرُون: تجبُ الوَصِيَّةُ إذا خاف المُوصِي الفَوتَ، كَدَينٍ يقضيه من حقّ الله أو حقوق العباد، وإليه صَغَى الفقهاءُ، وهو الصّحيح، وهو المرادُ بحديثِ ابنِ عمرَ: "مَا حَقُّ امرِىءٍ مُسلِمٍ" فإنّه إنَّ لم يكن عليه حقٌّ، لم تكن الوصيَّةُ عليه بحقِّ.

فأمّا الآيةُ، فقد ثبت عن ابنِ عبّاس؛ أنّه قال: كَانَ المِيراثُ لِلوَلَدِ، وَالوَصِيَّةُ لِلوَالِدِ، فَنَسَخَ اللهُ ذَلِكَ بِآيَةِ المَوَارِيثِ، فَأَعطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ (١).

وقال سعيد بن المُسَيِّب من التّابعين، وإسحاق بن رَاهُويَة من الفقهاء: نسخَ اللهُ ذلك في الوَالِدَينِ، وبَقِيَ الوُجُوبُ في الأَقرَبينَ، حتّى قال الحَسَن وطَاوُس: إنّه لو أَوصَى بثُلُثٍ لأجنَبِي لَرُدَّ ذلك إلى قَرابَتِه (٢)، وهذا تَحَكُّمٌ منهما ليس العمل عليه لضَعفِه.

وأمّا قولُ سعيدٍ: إنّها باقيةٌ في الأَقرَبِين، فيردُّه أنّ الصّحابةَ مِنَ الخلفاءِ إلى أعيانِ الفقهاءِ قبلَ أنّ يَتَعَدَّ الحالُ إليه، لم يوص لأحدٍ منهم. وقد قال علماؤنا: قوله: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ} (٣) محمول على الاستحباب؛ لأنّه عُلِّقَ بمجهولٍ، وهو مقدارُ الخَيرِ، والواجبُ لا يتعلَّق بمجهولٍ؛ لأنّ من شرطِ اَلوُجوبِ إمكانَ الفعلِ، ولا إمكانَ مع الجهالةِ.


(١) أخرجه مع اختلاف في الألفاظ البخاريّ (٢٧٤٧).
(٢) أخرجهما الطّبريّ في تفسيره: ٢/ ١١٧.
(٣) البقرة: ١٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>