للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسكندرية، صلَّى في مكانه، فإذا قال: عليَّ أنّ أصوم بالإسكندرية لزمه ذلك. فنقول: إنَّ الصّوم خير من الصّلاة، وهذا لا قائل له، والأجرُ على الصِّيام غيرُ مُقَدَّر وعلى الصّلاة مُقَدَّرٌ.

فإن قيل: إنَّ مكّة يلزمه المُضِيُّ إليها ولا يلزم المصير إلى المدينة.

قيل له: تُرى عرفات يلزم المضيّ إليها؟ ولا نقول إنها خير من المدينة.

والصّحيح أنّ مكّة أفضل من المدينة بأمور نُوِردُها الآن عليكم، إذ ليس تفضيل البقاع بعضها على بعضٍ لمعنًى موجودٍ في ذواتها، وإنّما تتضاعف الحسنات والسَّيئات فيها (١) كما تقدّم، وقد استدلّ القاضي عبد الوهّاب (٢) في تفضيل المدينة على مكّة بظواهر وآثار كثيرة حماية لمذهب المَدَنِييِّن في تفضيل المدينة على مكّة، فممّا استدلّ به حديث ابن خديج أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلم - قال: "المدِينَةُ خَيرٌ مِنَ مَكَّةَ" (٣)، قال (٤): "وهذا نصٌّ في تفضيل المدينة على مكّة" وليس بنصّ كما زعم، إذ لم يقل: إنّها أفضل منها، وإنّما قال: إنّها خير منها في المسكن (٥)، والله أعلم، والمهاجو فيها في سَعَة الرِّزق فيها لكثرة الزَّرع والنّخيل.


= الأماكن والأزمان كلَّها متساويةٌ، ويفضّلها بما يقع فيهما لا بصفات قائمة بهما. ويرجع تفضيلهما إلى ما ينيل الله العباد فيهما من فضله وكرمه".
(١) الظّاهر - والله أعلم- أنّ الفقرة التالية مقتبسة من المقدِّمات الممهِّدات: ٣/ ٤٧٨ - ٤٧٩.
(٢) في كتابه المعونة على مذهب عالم المدينة، باب في فضل المدينة والصلاة بها وفضل مالك - رحمه الله - وترجيح مذهبه: ٣/ ١٧٤٠ - ١٧٤٩.
(٣) أخرجه بهذا اللّفظ الطبراني في الكبير (٤٤٥٠)، وابن عدي في الكامل: ٦/ ٢١٩٨، وابن المقرئ في معجم شوخه (٣٩)، كما أخرجه المفضل الجندي في فضائل المدينة (١٢) بلفظ: " ... أفضلُ من مكّة" كلهم من طريق يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرّحمن، عن رافع بن خديج به.
وقد اعتبر ابن حزم في المحلى: ٧/ ٤٥٣ الحديث موضوعًا، وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: ٣/ ٦٢٣ "ليس بصحيح، وقد صحّ في مكّة خلافه".
(٤) في المعونة: ٣/ ١٧٤٠.
(٥) تتمّة الكلام كما في المقدِّمات: "فيحمل ذلك لما ذكرناه من الأدلة الظّاهرة على أنّ مكّة أفضل من المدينة على أنّه إنّما أراد بقوله: "إنَّ المدينة خير من مكّة" أنّها خير منها في سعة ... ".

<<  <  ج: ص:  >  >>