للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العبادُ فيما قد سبق في علم الله. والقَدَرُ سرُّ الله لا يُدْرَكُ بِجِدَالٍ، ولا يَشفي منه مَقَالٌ، والحُجَجُ فيه مُرْتَجَةٌ مُغلَقَةٌ، لا يُفتَحُ منها شيءٌ إِلَّا بكَسرِ شيءٍ.

وقد تواترتِ الآثار عن السَّلَف بالنَّهي عن الجدال فيه والإِسلام له والإيمان به، لحديث ابن مسعود، عن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم -، أنَّه قال: "إِذَا ذُكِرَ القَدَرُ فَأَمسِكُوا، وإِذَا ذُكِرَتِ النُّجُومُ فَأَمسِكُوا، وَإِذَا ذُكِرَ أَصحَابِي فَأَمسِكُوا" (١).

والقاعدة (٢) في هذا الباب قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (٣).

حديث عبد الله بن الزبير (٤)، يقول في خُطبَتِهِ: "إِنَّ الله هُوَ الهَادِي وَالفَاتِنُ".

المعاني (٥):

الهُدَى والضَّلالُ ضِدَّان، وهذا مأخوذٌ من قوله {يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي} (٦) وقول نوح -عليه السّلام-: {وَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} (٧) ولا يكون في مُلكِ الله إِلَّا ما يريد، ومَا رَبُّك بظلّامٍ للعبيدِ.

وعن عطاء بن أبي رَبَاح، قال: كنت عند ابنِ عبّاسٍ، فأتاه رَجُلٌ فقال: أرأيتَ مَنْ حَرَمَنِي الهُدَى وأَوْرَثَنِي الضَّلالةَ والرَّدَى، أتراهُ أَحْسَنَ إِلَيَّ أُوْ ظَلَمَنِي؟ فقال ابنُ عبَّاس: إنَّ كان الهُدى شيئًا لك عِنْدَهُ فَمَنَعَكَهُ فَقَد ظَلَمَكَ، وإن كان * الهُدَى هُدَى الله يُؤتِيهِ من يشاء، فما ظَلَمَكَ، ولا تُجالِسنِي بَعدَهُ (٨).

وقد رُوِّينا أنّ غَيلَانَ القَدَرِيّ، وقف بِرَبيعةَ فقال له: يا أبا عثمانَ، أرأيتَ الّذي


(١) سبق تخريجه صفحة: ٢١٤ من هذا الجزء.
(٢) هذه العبارة من إضافات المؤلِّف على نَصِّ الاستذكار.
(٣) القمر: ٤٩.
(٤) في الموطَّأ (٢٦٢٠) رواية يحيى، ورواه عن مالك: أبو مصعب (١٨٧٥)، وسويد (٦٤٥)، وقتيبة بن سعيد عند الفريابي في القدر (٢٩٧)، ومعن عند الفريابي أيضًا (٢٩٨).
(٥) كلامه في المعاني مقتبس من الاستذكار: ٢٦/ ١٠١.
(٦) الرعد: ٢٧.
(٧) الأنعام: ١٤٩.
(٨) أخرجه ابن عبد البرّ في التمهيد: ٦/ ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>